علاقة معقدة ومركبة بين الانتخابات الأميركية وبين الأوضاع في غزة، بما فيها القتال والهدنة وغيرها من التطورات. نتنياهو سيئ الذكر يدرك ذلك ويتلاعب بخيوطه، وهو يعلم أن قدرة بايدن -المغادر لموقعه- في حدودها الدنيا، وقد دخل مرحلة سكون سياسي، وأي شيء يقوله أو يفعله أو أي سياسة يتبناها، سيكون للرئيس القادم حرية الاستمرار بها أو تغييرها. شبيه هذا الحال بحال كلنتون أواخر أيامه، عندما ألقى بثقله السياسي الكبير خلف حل للقضية بما يعرف بكامب ديفيد 2000، وقد وصل بالفعل لحدود غير مسبوقة من الاقتراب من الحل، لكن كلا من باراك وعرفات في ذلك الوقت لم يأخذا كلنتون على محمل الجد لعلمهما أنه مغادر وأن الرئيس القادم هو من سيقرر ماذا سيكون، وقد كان بالفعل أن أتى بوش الابن وأوقف كل سياسات كلنتون وما وصل إليه من تفاهمات.
نتنياهو يعلم أن بإمكانه الآن إحراج بايدن وهاريس عن طريق إظهار ضعفهما في إحداث تأثير حقيقي في النزاع في غزة، فهو لا يريد إعطاءهما أي إنجاز سياسي أو ميداني من أي نوع، وهو لذلك يماطل ويتذرع ويعطل اتفاق الهدنة بكامل قوته. الأمر قد يذهب أبعد من ذلك، وقد يقدم نتنياهو على أعمال ميدانية عسكرية قد تحرج هاريس في حملتها الانتخابية، لا سيما في الولايات المتأرجحة، وستكون الأمور الانتخابية حساسة لأي عمل ميداني عسكري من قبل إسرائيل في غزة، وسيطالب ناخبون بإجراءات صارمة ضد إسرائيل، وآخرون سيطالبون بالعكس، وهذا خليط قاعدة هاريس الانتخابية المعقد، بينما ترامب سيكون مرتاحا سياسيا لأن قاعدته موحدة ومع إسرائيل بصرف النظر عن النتائج أو الأبعاد الإنسانية. سيحاول نتنياهو خلق فتن انتخابية ما استطاع لذلك سبيلا، ولكنه سيواجه ببراعة سياسية من بايدن، هاريس، كلنتون، أوباما سوف تعريه وتكشف أفعاله، وقد ينقلب السحر على الساحر ويتضرر ترامب وبايدن من أي مغامرة إسرائيلية عسكرية في غزة.
بالحد الأدنى، سوف يؤخر نتنياهو أي إنجاز أو هدنة أو وقف للعملية العسكرية للرئيس القادم -إذا ما كتب أن يكون ترامب- ليقوم بتقديم أي إنجاز على هذا الصعيد لترامب ويكسب من نتائج ذلك سياسيا. إذا ما نجح ترامب سيكون هناك تقدم ملموس ميدانيا وسياسيا ليكون ذلك من إنجازات القادم للرئاسة ترامب وليس بايدن. أي أن الانتخابات الأميركية لا تتأثر فقط من جراء الأحداث في غزة وما يتوقع من استغلال من قبل نتنياهو لذلك، بل إن الانتخابات ذاتها تؤثر بالمشهد الميداني الغزي والإسرائيلي الذي سيبقى معلقا وضمن الوضع القائم حاليا إلى أن تنتهي الانتخابات. لقد دخل النزاع والحرب في غزة مرحلة سكون بانتظار ما سوف تؤول إليه الانتخابات الأميركية وإلى اتجاه سوف تذهب، والذهاب لترامب يعني شيئا والذهاب لبايدن يعني شيئا آخر بالنسبة لغزة وإسرائيل.