سألت مسؤولا على رفعة بالمستوى في الدولة الأردنية وعلى صلة بالتخطيط السياسي- الامني، معا، اذا ما كان الأردن سيغلق حدوده مع الضفة الغربية اذا استشعر احتمالات التهجير من الضفة الغربية الى الأردن، في اي توقيت مقبل في ظل الظروف الحالية الصعبة.
المسؤول أجاب بنفي حاد مع نبرة استنكارية في الكلام، معتبرا ان هذا الخيار لم يتم طرحه اصلا، وليس هو الحل، لأن التعقيد أخطر بكثير من اغلاق جسر او معبر هنا او هناك.
في قصة الضفة الغربية، علينا أن ننتبه اولا الى فكرة مهمة، ونحن نحتاجها يومياـ اي تعزيز العداء نحو سياسات اسرائيل في الضفة الغربية، فهي الطرف “الجاني”، وليس تصنيع موجة توتر عكسية نحو “الضحية” اي الفلسطينيين ذاتهم باعتبارهم حزموا أمتعتهم.
حرف النقاشات حول اهل الضفة الغربية ذاتهم، يعبر احيانا عن سوء تقدير، او تضليل متعمد، او محاولة لاستبدال الاعداء، بالتغافل عن العدو الاساسي، وتصنيع عدو بديل نصب غضبنا عليه، باعتباره الاسهل في هذه المعادلة التي تحيط بنا من كل الجهات والاتجاهات ايضا.
النقطة الثانية هنا تتعلق ايضا بوضع الفلسطينيين ذاتهم في الضفة الغربية، حيث لن يخرجوا من الضفة حتى لو تم حرقها، واحصاءات جسور الأردن تثبت ان متوسط عدد القادمين والمغادرين عبرها كما هو، ولا توجد اندفاعات سكانية، فردية او جماعية للخروج نحو الأردن، وهذا امر شهدناه ايضا في الانتفاضة الاولى والثانية، واذا كان الوضع الآن اصعب بطبيعة الحال، فإن اسرائيل ذاتها مهما صنعت ظروفا مأساوية في 11 محافظة فلسطينية، فلن تتمكن من إخراج الناس من بيوتهم، لأن هؤلاء يدركون كلفة الخروج، برغم ان الأردن مأمن لهم، ومعرّف عاطفيا لديهم بكونه لا يعاديهم سياسيا واجتماعيا.
بالمقابل لا تتوقعوا ان يطلق أردني واحد في هذه الدنيا رصاصة عبر الحدود في وجوه القادمين لوقفهم، اذا تخيلنا نزوحا بأعداد كبيرة مشيا على الاقدام على سبيل المثال، ولأن الأردن ليس تحت اختبار لأخلاقه القومية والاجتماعية بالنسبة لي، فهو في نهاية المطاف لا بد ان يعالج الوضع بما يضمن تثبيت الفلسطينيين، على أرضهم، وحماية الأردن ايضا، في ذات التوقيت.
هذا يعني ان تبسيط القصة، بالطريقة التي نسمعها يعبر عبر تحليلات التهويل وصناعة الاعداء الوهميين يعبر عن سذاجة، او سوء نوايا، او صيد في الماء العكر، من جانب المسترزقين على هكذا قصص، والتحدي اليوم، هو وقف الاحتلال عن اعماله، وليس حرف البوصلة نحو ثلاثة ملايين وربع المليون فلسطيني، قد يهددون الأردن في ليلة، وهذا غير صحيح، وعلينا ان نتذكر ان هؤلاء يتوزعون على محافظات وقرى، واسرائيل قد تتمكن من اخلاء حي او مخيم، لكن يستحيل ان تتمكن من تنفيذ سيناريو الازاحة السكانية الكاملة.
جميع اهل الضفة الغربية يحملون جوازات أردنية مؤقتة، وهناك نسبة منهم لست مضطرا لذكرها هنا تحمل الرقم الوطني، بمعني انهم مواطنون أردنيون بما يؤهلهم للهجرة الناعمة، اي الخروج بشكل قانوني، ولا يستطيع الأردن منعهم اصلا، فهم مواطنيه قانونيا، فيما البقية يحلمون جوازات أردنية مؤقتة، ولديهم اقارب وانسباء في الأردن، ونسبة كبيرة من ابنائهم درسوا في جامعات الأردن، ويعرفون عمان والكرك واربد كما تعرفون انفسكم.
ما يراد قوله هنا ان خطر التهجير لا يرتبط اصلا بفكرة الجسور والمعابر المفتوحة او المغلقة، ولا بتعريف القادم ان كان أردنيا في الضفة الغربية او حاملا لحواز أردني مؤقت، حيث يتركز خطر التهجير على الازاحة السكانية بأعداد كبيرة تعبر عبر حدود تمتد مئات الكيلومترات، بشكل فوضوي، وهو امر اراه مستحيلا، ولن يقوم به الفلسطينيون، اصلا، واسرائيل عاجزة عن تنفيذه ايضا لوجستيا، لاعتبارات ميدانية، واكثر ما تقدر عليه اسرائيل هو تهجير الفلسطينيين داخل الضفة الغربية ذاتها، من مكان الى مكان، في سياقات التوسع واخلاء مناطق محددة.
نريد عقلتة الحوار، ووضع كل السنياريوهات، والاستعداد لكل الاحتمالات بروح موحدة لشعب موحد يفهم استحقاقات موقعه جيدا، في وجه عدو محدد، لكن دون تهويل، او بيع للاوهام، مع ادراكنا ان الضفة الغربية تعد جزءا من ملف الامن الأردني بكل خواصره المرهقة.
الديموغرافيا الفلسطينية لعنة على اسرائيل، وحماية الأردن امانة ايضا في اعناقنا.