بدأت رياح الأزمات منذ الآن تضرب بالائتلاف السياسي الحاكم في “إسرائيل”. فنتائج حصاد معركة الهجوم الوحشي على قطاع غزة لم تكن كما أراد الزارع “الإسرائيلي”، حيث بدت تلك الحرب وفي جعبة نتنياهو الكثير من الأحلام والتوقعات والتصورات، لشطب المقاومة الفلسطينية، وتدمير قدراتها بشكلٍ كامل، وبالتالي دفع الفلسطينيين لرفع الأعلام البيضاء، والتسليم بما هو مطروح عليهم، فيما باتت الوقائع على الأرض تشي بشيء آخر، فلا صواريخ المقاومة توقفت، ولا قدرات الأجنحة الفدائية الفلسطينية انتهت.
معركة الهجوم على قطاع غزة، بدأت تلقي بظلالها الواسعة على الحالة “الإسرائيلية” الداخلية، في معركة سياسية يُقدر لها أن تمتد خلال الفترة القادمة، رغم الاتفاق في إطار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين الفلسطيني و”الإسرائيلي” بالرعاية المصرية.
وعليه، أن تمر الساحة السياسية الداخلية في “إسرائيل” تعيش (دراما سياسية مُمزقة للأعصاب) على حد تعبير كاتب “إسرائيلي” وذلك في ظل مُستتبعات الحرب المجنونة التي شنتها حكومة نتنياهو على قطاع غزة أولًا. وبُعيد فترة قصيرة سبقتها حين تم انتخاب الرئيس “الإسرائيلي” العاشر، الجديد لإسرائيل، عضو حزب الليكود (رؤوبين ريفلين)، الذي ينتمي إلى الجناح اليميني من الليكود ثانيًا. وهو من عارض فك الارتباط عن غزة وأيد مستوطني الخليل. وهو الرجل المؤمن حتى نخاع العظم بأقوال الصهيوني العتيق والمُنظر فلاديمير جابوتنسكي، ومنها قوله “لن يكون السلام إلا إذا كانت بلاد إسرائيل الكاملة”، مع أنه حاول مؤخرًا التخفيف من لهجته الصهيونية حين قال في مقابلة صحافية “أنا واقعي أيضًا. معروف لي بأن اتفاق أوسلو وقع، وأن السلطة الفلسطينية قامت، وإذا ما قررت الحكومة إخلاء المستوطنات في الضفة الغربية سأذهب هناك، أجلس مع المستوطنين، أبكي معهم، ولكن سأقول لهم: هذا قرار حكومة إسرائيل، هذا حسم الديمقراطية، لا مفر لنا”.
ملامح توالد لاستقطابات جديدة وإعادة الانتشار السياسية الحزبية في إسرائيل بدأت تفعل فعلها في الساحة الداخلية “الإسرائيلية” في مُجتمعٍ يتميز بخصوبة الاستقطابات السياسية عند كل المنعطفات، حيث الانقسام في الرأي وتوالد الاختلافات العميقة تجاه القضايا التي تُبرزها الحياة السياسية والإعلامية والاجتماعية والاقتصداية في “إسرائيل” بطبيعة الأمر، وتزاد الانقسامات عمقًا في بعض الحالات، تمهيدًا لخطوات سياسية مُختلفة قد تقود نحو تفكك الائتلاف الحالي في “إسرائيل”، وبالتالي في العودة لطرح موضوع الانتخابات البرلمانية المُبكرة للكنيست العشرين القادمة.
ويُقدر وفق رأي المحللين السياسيين في “إسرائيل” بأن الأمور ستتضح مع حلول شهر تشرين الأول/أكتوبر، وشهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وذلك في المواضيع السياسية والاقتصادية، والمواضيع الساخنة ذات الأبعاد الاجتماعية في “إسرائيل” كالرفاه واقتصاد الأسرة والصحة والتعليم، وهو ما يَشي بأن الخريطة الحزبية والسياسية واستقطاباتها قد تتغير على الأرجح، لنشهد توالد اصطفافات جديدة، قد لا يكون لها علاقة قوية بمسألة التسوية والمفاوضات مع الفلسطينيين وإنما لأسباب “إسرائيلية” داخلية بحتة.
ملامح انفراط عقد الائتلاف (ولو بعد فترة زمنية) قد تكون غير بعيدة، على خلفية الحصاد “الإسرائيلي” المتواضع لمعركة الهجوم على قطاع غزة، والخصومات المحتدمة بين أطراف الائتلاف الحاكم، بين نتنياهو وليفني. فعضو الائتلاف الحكومي تسيبي ليفني، وحزبها (حزب الحركة) كانت قد نافست مرشح حزب الليكود للرئاسة بشخص عضو الكنيست (البرلمان) من كتلتها البرلمانية (مائير شطريت)، الذي استطاع أن يحصد أصواتا عالية في مواجهة خصمه مرشح الليكود (رؤوبين ريفلين) حيث فاز الأخير بفارق بسيط في الأصوات عن منافسه مرشح حزب تسيبي ليفني، حيث حصل ريفلين على تأييد (63) نائبًا متغلبًا على النائب مئير شطريت من حزب الحركة الذي حصل على تأييد (53) نائبًا.
إن ملامح إعادة تَشكّل الاستقطابات الحزبية الداخلية في إسرائيل، بدأت توسع الخلافات بين تسيبي ليفني ونتنياهو التي باتت تعتبر بأن بنيامين نتنياهو لا يمتلك قدرات شخصية وقيادية لقيادة خطوات (تاريخية ـــ سياسية) أو اجتماعية داخل “إسرائيل”، كما بدأت مع تواتر الغزل اليومي بين عضو الائتلاف إياها (أي تسيبي ليفني) وحزبها (حزب الحركة) والكُتل المعارضة في الكنيست (البرلمان) وعلى رأسها كتلة حزب العمل ورئيسه النائب إسحق حاييم هرتزوج، ورئيس الكتلة البرلمانية لحزب العمل إيتان كابل.
وعليه، إن تسيبي ليفني وزيرة العدل في حكومة نتنياهو، والمعنية بملف المفاوضات مع الطرف الرسمي الفلسطيني ستفضل في المرحلة التالية من تحولات الحالة السياسية الداخلية في إسرائيل، الارتباط بحزب العمل “الإسرائيلي”، في مسعى لتشكيل تجمع جديد لأحزاب (يسار الوسط الصهيوني ــــ اليسار الصهيوني) قبيل الانتخابات التالية العشرين للكنيسة القادمة.
إن حزب العمل “الإسرائيلي” يتقاطع مع حزب تسيبي ليفني (حزب الحركة) في المواضيع السياسية أكثر بكثير من تقاطع الوزيرة تسيبي ليفني مع حزب الليكود الذي تأتلف معه في الحكومة الحالية، حيث عمل زعيم حزب العمل إسحق حاييم هرتزوج على محاولات إقناع تسيبي ليفني للارتباط به مع حزبها. وبعد زمن قصير من انتخابه كرئيس لحزب العمل شارك الاثنان في اجتماع في الكنيست لحث الجهود من أجل تبني ما بات يعرف بـ(حل الدولتين) وتحدثا علنًا عن تعاون تتداخل فيه المعارضة مع الائتلاف الحكومي. فحل الدولتين بات في أدراج الرياح، فيما تحاول أطراف من “اليسار العمالي الصهيوني” إعادة إحيائه واللعب السياسي على أوتاره، وفي استخدامه كشعار في اللعبة السياسية الحزبية الداخلية في “إسرائيل”.
وعليه، إن المعطيات إياها، وبعد النتائج الأولية للعدوان الأخير على قطاع غزة وضياع بنك الأهداف وفشل حكومة نتنياهو بتدمير المقاومة الفلسطينية، تُشير لإمكانية تشكيل نواة تكتل جديد عنوانه (معسكر يسار الوسط الصهيوني ـــ واليسار الصهيوني) وعلى رأس شعاراته “العدالة الاجتماعية والقضايا المستقبلية التي تنتظر المجتمع الإسرائيلي” بما في ذلك مسألة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني ومحاولة تقديم مُقاربات جديدة لإطلاق عملية التسوية من جديد بعد دخولها في سُبات عميق مع موت خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي ذاع صيتها الأشهر الماضية.
علي بدوان/استقطابات متوقعة
10
المقالة السابقة