عروبة الإخباري –
الديار – ندى عبد الرزاق –
تعد الطيور وفقا للخبراء في مجال البيئة، من أهم العناصر في النظم البيئية حول العالم، حيث تؤدي دوراً حيوياً في الحفاظ على التوازن البيئي، وتسهم في عملية التلقيح ونقل البذور من مكان إلى آخر، وانتشار النباتات وزيادة التنوع البيولوجي. كما تسيطر على أعداد الحشرات الضارة، ما يساعد في الحفاظ على صحة المحاصيل الزراعية والغابات.
وتعتبر الطيور ايضا جزءاً من السلاسل الغذائية، حيث تكون فرائس لبعض الحيوانات ومفترسات لحيوانات أخرى، مما يحصّن التوازن الايكولوجي. ويعتبر الخبراء انه يمكن استخدام الطيور كمؤشرات على صحة البيئة، اذ ان تبديل أنماط هجرتها ربما يكون إشارة إلى وجود مشكلات بيئية، مثل التلوث أو التغير المناخي. ولحماية الأسس البيولوجية، من الضروري رصد أعدادها والتأكد من عدم تدخل الأنواع الدخيلة في النظم البيئية المحلية.
دخيل وفاسد ومؤذٍ وغازٍ!
انتشرت مؤخرا على منصات التواصل الاجتماعي “فيديوهات” تتحدث عن طائر غريب وسريع الترقيد او التزايد بالتناسل، حتى خمّن المواطنون وكأنه وحش على هيئة طير. وبحسب البيئيين، ينتمي طائر “المينا” إلى عائلة الزرزوريات، ويتميز بلونه البني الأدكن مع رأس وذيل وأجنحة سوداء، وعينين صفراوين بارزتين، مما يضفي عليه مظهراً خلاقا، ويمتلك منقاراً وأرجلاً صفراء اللون. ويتميز بقدرته على تقليد أصوات البشر والحيوانات الأخرى، مما يجعله طيراً ذكياً واجتماعياً.
التقارير “تحدد”!
وبعدما كثر الحديث في الأيام الماضية عن ضرر هذا الطائر، قال وزير البيئة ناصر ياسين لـ “الديار”: “انا بانتظار تقرير الخبراء في هذا الخصوص، وعندئذ اشارك الرأي وموقف الوزارة”، مشيرا الى “ان هذا الطير دخل سابقا الى لبنان وليس الآن، ومن ثم بدأ يتكاثر”.
هل يشكل هذا الطير خطرا حقيقيا على البيئة؟ يجيب ياسين “ندرس طرق مكافحته، ولكن بالتأكيد ليس عبر صيده، لان ذلك سيشكل خطرا على السلامة العامة، بخاصة في المدن، كما يمكن ان يؤدي ذلك الى صيد جائر”، لافتا الى “ان معظم من ادلى بدلوه عن هذا الطير على منصات التواصل الاجتماعي، لم يبنِ موقفه على اي دراسة علمية، بل مشاهدات عامة ومعلومات عن الانترنت”.
كيف وصل الى لبنان؟ يجيب رئيس مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام – المنسق الميداني للصيد المسؤول في جمعية “حماية الطبيعة في لبنان” SPNL أدونيس الخطيب، “ان موطن طير “المينا” الأصلي شبه القارة الهندية وباكستان وكازاخستان، وقد دخل بشكل غير اعتيادي إلى لبنان”.
وأوضح لـ “الديار” ان “هناك نظريتان في هذا المجال: الأولى تظن انه هرب من الأقفاص حيث كان محتجزا ومن ثم بدأ يتزايد، اما الرأي الآخر فيعتقد انه وصل إلى لبنان عبر نشاطات البشر. وهذا الطير الاجتماعي يهدد الطيور المحلية، ويتنافس معها على الغذاء والمأوى ويكسّر بيوضها، مما يؤدي إلى تراجع أعداد الأنواع المحلية، وقد يلحق أضراراً بالمحاصيل الزراعية من خلال التغذي عليها، ولديه الجرأة لدخول المطاعم حيث تكون اطباق الطعام حاضرة، وهو قوي ومعروف بقدرته على تقليد الأصوات، والادهى من ذلك انه يتمتع بقدرة فظيعة على التأقلم”.
المتابعة بدأت منذ سنوات!
وكشف عن “ان ملاحقة هذا الموضوع بدأت منذ حوالى الـ 3 سنوات، بالتعاون مع الخبير اللبناني العالمي المتخصص في علم الطيور وحياتها الدكتور غسان جرادي، وذلك لمعرفة كيف يمكن معالجة هذه المسألة”، مشيرا الى “تواصل الأخير مع وزارة البيئة لإيجاد صيغة آمنة وفعالة”.
وأضاف: “ننتظر من جرادي الطريقة الأفضل التي يمكن ان تساعدنا على التحرك ولو ضمن نطاق محدود، وبسبب هذه التأثيرات السلبية، يراقب طير “المينا” في العديد من البلدان، وتُتخذ تدابير للحد من انتشاره ولحماية التنوع البيولوجي المحلي، وقد كافحته الامارات وأوستراليا. ونحن كمركز صيد، نفضّل إدخاله بطريدة من طرائد الصيد، لكن المشكلة انه يعيش بين المنازل، والقانون يمنع ممارسة الصيد في الأماكن المأهولة، بحيث يجب أن يكون بعيدا 500 مترا عن البيوت المسكونة”.
وتابع “انطلاقا من كل ما ذكرته، اقترحنا رمايته ببرودة الخردق القناصة “PCP ” ، شرط ان يكون الرامي او الصياد محترفا. لكن هذا الحل لم يلق قبولا كبيرا، وتم اقتراح وضع ماكينات لجرّه الى اقفاص. وبالرغم من ذلك تبقى المشكلة قائمة ، لأننا لا نعرف الى اين نأخذه ونحن امام ازمة حقيقية، وهناك الكثير من الدول التي عانت من هذا الطير، وأخرى أجازت صيده، وهناك بلدان رجحت استخدام المبيدات للتخلص منه ، لأنه خارج بيئته وفعلا مضر ومُخرّب”.
وختم “نتابع هذه القضية بالتنسيق مع المعنيين والخبراء، لكن الوضع الراهن في البلد يجعلنا نتريث في اتخاذ أي قرار، في ظل الحرب الدائرة في المناطق الحدودية الجنوبية، بما في ذلك الازمة الاقتصادية الشديدة. لذلك كمركز صيد ووحدة مكافحة الصيد الجائر في نفس الوقت، نعتبر ان هذه القضية من اولوياتنا، لكن التسوية لا تتم عبر الضجيج الإعلامي على النحو الذي حدث مؤخرا على شبكات التواصل الاجتماعي، اذ ان هذا الطير موجود في لبنان منذ التسعينيات”.
“المينا” و “ياسمين”!
لماذا ارتبط اسم “المينا” بممثلة الأفلام الكرتونية الاميرة “ياسمين”؟ تجيب الناشطة في المجال البيئي والمتخصصة في الفنون المسرحية أريج “ان طير المينا ظهر في فيلم “ديزني” الشهير “علاء الدين” عام 1992، والذي يُعد أحد أفلام الرسوم المتحركة الكلاسيكية. وفي الفيلم، شخصية طائر تُدعى “ياغو”، وهو ببغاء شرير يتبع المتمرد الرئيسي “جعفر”. على الرغم من أن “ياغو” ليس طير “مينا” حقيقياً، إلا أنه يتمتع بصفات مماثلة لطير “المينا” لجهة قدرته على تقليد الأصوات والتحدث، لذلك يربط الناس بين الشخصيتين. اما ياسمين فهي ابنة السلطان ودورها رئيسي الى جانب علاء الدين”.
وأوضحت لـ “الديار” ان “كلا الطائرين معروفان بقدرتهما على تقليد الأصوات، وهو ما يجعلهما مرتبطين في ذهن الجمهور، بما في ذلك الظهور البارز لشخصية ياغو في فيلم “علاء الدين”. لذلك قد يتشابه تصميم “ياغو” قليلا في الفيلم مع طير “المينا” في بعض الجوانب، مما يعزز هذا الانخراط. وبينما طير “المينا” لم يكن محورياً في فيلم “علاء الدين”، فإن قدراته الفريدة على تقليد الأصوات جعلته رمزاً للطائر الذكي والمحادث”.
الى ماذا توصلت الدراسات؟
اشارت اريج الى “دراسة نُشرت في مجلة “Biological Invasions” حيث استعرضت تأثيرات طير “المينا” في التنوع البيولوجي في العديد من البلدان، ووجدت أنه يسبب اضطرابات كبيرة في الأنظمة البيئية المحلية، ويؤدي إلى تراجع بعض أنواع الطيور الأصلية”.
ولفتت الى “دراسة ثانية نُشرت في مجلة “Ecological Economics” حيث حلّلت التكاليف الاقتصادية لانتشار طير “المينا” على الزراعات والاقتصادات المحلية، وبينت أن النفقات الناتجة من الخسائر في الإنتاج الزراعي قد تكون جسيمة”.
في الخلاصة، لا بد من تذكير اللبنانيين ان وزارة البيئة تتابع بانتباه موضوع انتشار طائر “المينا” محليا، وتعمل على جمع التقارير والتحليلات من الخبراء لفهم الوضع بشكل دقيق، وستتخذ خطوات مدروسة لمكافحته بالطرق الآمنة والفعالة، في حال ثبت ضرره وذلك للحفاظ على التوازن البيئي والحيوي في المنطقة.