لآن تعاد كتابة تاريخ الثورة المصرية من جديد. فأحدث طبعة من ذلك التاريخ تقول إن مبارك كان بريئا ومظلوما. وأنه لم يكن متجها لتوريث السلطة لابنه، ثم إنه كان متفهما ومتعاطفا مع الشباب الذين خرجوا إلى ميدان التحرير، أما العادلي ومعاونوه فهم أبرياء من دماء الثوار الذين قتلوا في الميدان، لأن الإخوان هم الذين اعتلوا الأبنية وميليشياتهم هي التي قتلت الثوار، وهي التي دبرت ما سمي بموقعة الجمل.
أما المعلومة الأهم التي طالعناها أخيرا في الطبعة الجديدة فهي أن الذين خرجوا إلى ميدان التحرير وأسقطوا النظام لم يكونوا كلهم من الثوار المصريين، ولكن رجال حماس كانوا هناك أيضا، بل إن لهم الفضل فيما تحقق. والدليل على ذلك أنهم تمترسوا وراء المتحف المطل على الميدان وجهزوا «مقلاعا» كان له دوره في حسم الموقف.
هذا الكلام ليس هزلا ولا هو افتراء من جانبي، لكن بعضه ورد في حوار منشور أجري مع محامي الرئيس السابق والبعض الآخر تضمنته نصوص لمكالمات هاتفية نشرتها صحيفة المصري اليوم، وادعت أنها تمت بين قيادات الإخوان وبين عناصر من حركة حماس. لا يهمنا الجزء الأول الذي يخص مبارك وأعوانه، لأن الشعب الذي عزل الرجل وأسقط نظامه كان قد أدانه وقلب صفحته، وبالتالي فإن أي محاولة لتبرئته وتبييض صفحته تعد من قبيل الهزل الذي لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، أما الذي يستحق أن نرده فهو ذلك العبث الذي استهدف تشويه الثورة وبخسها حقها، بما يعطي انطباعا بأنها مجرد مؤامرة دبرتها حركة حماس مع الإخوان. وهو ما يعد إهانة للثورة وإهدارا لدماء الشهداء واستخفافا بآلاف المصابين والمعاقين، الذين قدموا ما قدموا من تضحيات دفاعا عن كرامتهم وحريتهم.
أدرى أن هناك من يرفضون الإخوان ويكرهون حماس، والرفض حق لكل أحد، ولكن كراهية حماس التي غرسها ورعاها نظام مبارك لاتزال غير مبررة أو مفهومة. ذلك أنه ما من كارثة أو مصيبة باتت تحل بمصر إلا ويحاول البعض الزج بحماس فيها. وحين لا تكون هناك نازلة من هذا القبيل أو ذاك فإننا لا نعدم أخبارا تسرب إلى الصحف متحدثة عن أعمال تخريبية تنتوي حماس القيام بها في البلد، بواسطة مندسين يتسللون عبر الحدود والأنفاق. ورغم غزارة التقارير والأخبار التي تحدثت عن شرور حماس ومؤامراتها فإننا لم نصادف إعلانا رسميا أو تحقيقا قضائيا جادا أيد التهم والمزاعم التي يجري الترويج لها بين الحين والآخر.
لقد اعتدنا على الكذب والتلفيق في التعامل مع ذلك الملف، لذلك ما عادت تزعجنا أمثال تلك الممارسات من حيث المبدأ، لكن ما يثير القلق حقا هو تدهور مستوى الكذب والتلفيق. أفرق هنا بين الكذب المتقن الذي ينم عن حرفية وإتقان، والكذب المفضوح الذي يكشف مدى خيبة صاحبه وتدهور مستواه. والمكالمات السرية التي جرى إبرازها والتهليل بها أخيرا من ذلك الصنف الأخير الذي يؤدي إلى فضح الفاعلين، بأكثر مما يسيء إلى الذين أريد الإساءة إليهم.
إذ لم تكن موفقة فكرة الزج بحماس في ميدان التحرير ومن ثم تجريح صور الثوار المجتمعين فيه. ولم تكن مفهومة مسألة الاستعانة «بالجيران» في غزة، خصوصا أن الذين تحدثت عنهم المكالمات المزعومة أحضروا معهم من غزة «مقلاعا» لأداء مهمتهم. والمقلاع لمن لا يعرف أقرب وأكبر مما نسميه في مصر «النِّبلة» التي يتم بها اصطياد العصافير. وكان مستغربا أن تنسب إحدى المكالمات لقيادي إخواني قوله لنظيره الحمساوي إن الفضل لهم في إنجاح الثورة، كما أنه ليس مألوفا أن يختم القيادي الإخواني اتصاله مع نظيره الفلسطيني بقوله سلام، فيرد عليه الآخر بنفس الكلمة: «سلام». وهو ما لا ينطق به «سلفيو كوستا»!
يطول الحديث إذا ما رصدنا مظاهر التدني في مستوى التلفيق، الذي لا يليق بكذوب محترم وما لا ينبغي له أن يغيب عن المسؤولين في أي جريدة محترمة، لكن التلهف على الوقيعة والإصرار على إعادة كتابة تاريخ الثورة بأي كلام كانا فيما يبدو وراء التسرع في نشر المكالمات المزعومة دون أية قراءة متمعنة فيها.
في 17 سبتمبر عام 2010 لعبت جريدة الأهرام في صورة منشورة على الصفحة الأولى. حين أعادت تركيبها ووضعت مبارك متقدما على أوباما والملك حسين ومحمود عباس ونتنياهو، أثناء توجههم للاجتماع في شرم الشيخ. وكانت الفضيحة التي ترددت أصداؤها في صحافة العالم. وما حدث مع المكالمات الملفقة يكرر نفس الفضيحة، الأمر الذي لا تفسير له سوى أن مدرسة مبارك الصحفية لاتزال ثابتة «العهد»، فلم تغير شيئا من مناهجها أو مقاصدها.