عروبة الإخباري –
الدستور –
نحتاج الى الرحمة كنقطة انطلاق نحو شراكة إنسانية حقة في زمن فاسد يعزز الانانية وحب الذات، ويقوي الغرائز الحيوانية، ويسعى إلى إلغاء الاخر.
نحتاج إلى الرحمة في كل اوقاتنا، ونحتاج أن نصل إلى عمق مفهومها، وبالذات في وقت الشر.
الظروف العصيبة المتوالية التي ترعرت عليها أجيال منطقتنا، التي تزخر بالجمال من نواح كثير منها جمالها الطبيعي، وغناها البيئي والثروات الارضية والحضارية والتراثية والتاريخية، الا وكأنه محكوم عليها أن تشهد نزاعات متوالية عبر التاريخ، لتكون سمتها الغالبة هي عدم الاستقرار. بالرغم من ذلك، ومن رحم المعاناة والالم، ولدت أجيال قوية، مقاومة للتحديات الكثيرة، وتعمل بإصرار لمستقبل أفضل فيه استقرار ينبىء بالازدهار.
شهدت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص على منصة إنستجرام، لحظات مؤثرة تجسد الرحمة في قلب الصراع في غزة. ومن بين هذه اللحظات، علقت في ذاكرتي صورة لطفل يحمل قطة بين ذراعيه، يحضنها بحنان كبير ويعلن أنها الآن ملكه، متعهدًا بالعناية بها. كما شاهدت فيديو قصيرا يظهر مجموعة من الرجال يقومون بعملية إنقاذ قطة من تحت الركام بجهود مشتركة. وفي مشهد آخر، كان رجل مسن محاطًا بمجموعة من القطط والكلاب، يشاركهم القليل مما عنده.
هذه اللحظات ليست مجرد مشاهد للتسلية، بل تعكس مشاعر الرحمة لأشخاص عاشوا ويعانون الألم بفقدان أحبائهم من أهلهم وأصدقائهم، ومنازلهم، وحتى الكنيسة والجامع- أماكن ملاذهم وراحتهم النفسية. فقدوا كل ما يرمز للأمان والراحة، ولكنهم لم يفقدوا قدرتهم على التعاطف والرحمة، لانهم عاشو الالم وفهموا المعناة.
شعب الاردن «العظيم» هو أكثر الشعوب قرباً للشعب الفلسطيني وهذه حقيقة، وأكثر الشعوب تعاطفاً وسنداً لهم، وللانسانية قاطبة، وهذه أيضاً حقيقة. لاجل ذلك، معاناة الشعب الفلسطيني على مدى يطال أكثر من سبعين عاماً كانت جزءا من هموم الشعب الاردني. فبينما نعيش آلامهم في خضم الحرب القائمة، نحزن بشدة ونستهجن قيادةً وشعباً ما يحدث، ونطالب بإيجاد حلول واقعية لانصاف الشعب الفلسطيني. ولاجل أننا في الاردن نتألم معهم ونعيش أوجاعهم، وقبلهم عشنا أوجاع أخوتنا في سوريا والعراق وتألمنا لدرجة كبيرة لما حل بهم بأوطانهم، وقبلها ذقنا معاناة الربيع العربي وخيبات الأمل وقبلها وقبلها. وتستمر الصراعات.
إن التضامن والتعاطف ليست مجرد شعارات ترفع في بلدي، بل هي قيم تتجسد في تعاملنا اليومي مع أشقائنا وجيراننا، وتقوم على أساس الإنسانية والتكافل الاجتماعي.
جميع الظروف القاسية التي مررنا بها عبر الزمن تراكمت في أعماقنا، مما أفسح المجال لمشاعر الغضب الكبيرة التي انعكست في تصرفاتنا تجاه بعضنا البعض، وفي كل جوانب حياتنا. على سبيل المثال، نقود السيارة بغضب، ونتفاعل مع بعضنا البعض بشكل محدود من التسامح وكثير من التوتر. تعكس الأخبار في الصحف والمنشورات على المواقع الرقمية قلقاً حقيقياً لدرجة أن الضحك يُنظر إليه بالاستهجان، ويُستنكر الفرح.
ومن ثم يطل علينا من يخوّن موقفنا الثابت تجاه مساندة الانسانية وبالذات الاهل في فلسطين والقطاع، ويبث سمومه وفتنته وافكاره، وآخرون يحولون أن يحدثوا ثقباً في وحدتنا الوطنية الثابتة وتلقى قبولاً عند البعض! لماذا ؟ لان الغضب هو الشعور السائد. فيما العصيان والتضليل والخداع والنفاق والكذب والتشويش لم يكن يوماً من الايام عذراً للغضب، أو جزءا من الديموقراطية التي تحترم حرية التعبير، إنما في إطار الاحترام والانضباط.
نحتاج رحمة في حياتنا في وقت الشر. ولو تنبهنا لاهم احتياجاتنا لادركنا بأنها الرحمة. الرحمة تهدىء النفس والروح، وتترجم إلى أفعال كلها رأفة مع أنفسنا ومع الاخرين من حولنا. وكم هو مؤلم الفرح بألم الاخرين، غير مدركين بأن «الدنيا دوارة» وما حكم به الانسان على غيره، لا بد وسيعود عليه يوماً ما. هذه هي دورة الحياة.
نحتاج الرحمة في وقت الشر، وهذه القيمة التي ترتكز عليها سياسة الاردن وتترجم من خلال مواقفه الثابتة في نشر السلام والرأفة تجاه جميع المتضررين في أي مكان على وجه الارض، سواء كانت بسبب حرائق غابات كما حدث من السنوات الماضية، وهبينا لمساعدة تركيا، أو الفياضانات كما في باكستان، أو الزلازل كما في سوريا وتركيا، أو حتى الحروب و الصراعات والاردن مستمر في تقديم المساعدات الانسانية والطبية لانقاذ الاهل في القطاع منذ بداية الحرب. الاردن، قيادة وشعباً، دائماً في المقدمة في المساعدة ومد يد العون- فهذه شيمنا.
نريد رحمة وقت الشر، ونحتاجها بشدة.