إذا كنت من المتفائلين أول ما يشدّ الانتباه النصف المملوء من الكأس وكيفية الاستفادة منه وفق حسابات ايجابية، اما اذا كنت من المتشائمين، اول ما يشغل بلك النصف الفارغ مع توجه اللوم على الغير، علما ان الانجاز لا يمكن ان يتحقق الا من خلال عمل موصول، يبدأ بالنفس ثم حث الاخرين للعمل بما يؤدي الى انجاز كمي تراكمي يفضي الى تحول نوعي، عندها سنجد ان الكأس اصبحت مملوءة كما نريد ويحب جميع الاطراف.
وفي الاقتصاد الاردني الذي تضرر كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية، كان القاسم المشترك لمتخذي القرار المالي والاقتصادي الانشغال بالنصف الفارغ من الكأس ولم يلتفتوا الى النصف المملوء، وارتفعت وتيرة اللوم وتجريم البعض، وان استمرار هذا النهج في إدارة الاقتصاد على المستوى الكلي، اوصلنا الى فقدان ما تبقي لنا من انجازات وتقدم في معظم القطاعات الحكومية والخاصة، عندها بلغنا مرحلة من الصعب معها المعالجة والعودة الى النمو المنشود.
السنوات العجاف… منذ انفجار الازمة المالية العالمية في العام 2008، وبركان ما يسمى بـ « الربيع العربي» الذي انطلق في 17/12/2010 في تونس، ولّد دمارا كبيرا ولم يقدم الخبز والحرية لمعظم الشعوب العربية، والامثلة ما زالت ماثلة امامنا، من تونس الى مصر وليبيا و سورية، اما في الاردن الذي ادرك مبكرا ان الاصلاح هو الطريق الاسلم بعيدا عن النار والبارود، وبرغم تفاوت الاراء حول مستويات الانجاز إلا ان القاطرة الاردنية تسير في الاتجاه الصحيح، مع توفر قناعة راسخة ان من ينظرون الى النصف الفارغ من الكأس ما زال صوتهم عاليا ، وان الموظف الرسمي فضل العودة الى الوراء اكثر من خطوتين بانتظار زوال هذا الهم الكبير، واعتمد سياسة سكن تسلم، اما القطاع الخاص الذي تضرر كثيرا من هذه السياسات، ما زال يعيش هواجس الاتهام، وفي بعض الاحيان تم تجريمه، واصيب بخيبة امل كبيرة فضل معها تخفيض مستويات انشطته، وفق سياسة الانتظار.
نعيش سنة خامسة من الازمة المالية وتداعياتها، وسنة ثالثة مما يسمى بـ» الربيع العربي»، فالنتائج اصبحت واضحة لنا كالشمس، ان العمل هو الحل الوحيد امامنا، هناك قائمة طويلة من الدول استوعبت تداعيات الازمة المالية العالمية وانطلقت لتحقيق معدلات نمو مجزية، وهي مجموعة دول الاقتصادات الصاعدة ( بريك ) وتضم الصين، البرازيل، الهند، روسيا، كوريا الجنوبية، وجنوب افريقيا، اما الاردن الذي تفهم احتياجات مرحلة التغير سارع الى الاصلاح، الا ان الجوانب الاقتصادية لن تحل الا من خلال، اعادة الاحترام للقطاع الخاص ( المُرعَب) وتحفيزه الى العمل والاستثمار بعيدا عن الاتهامات عندها سنجد عودة الاستثمارات العربية والاجنبية للعمل بنشاط في البلاد، ونستعيد الصورة المشرقة للاردن باعتباره مقصدا اقليميا للاستثمارات.