عشية وصول جون كيري إلى العراق دعا علي السيستاني الى تشكيل حكومة جديدة تحظى بقبول وطني شامل وتتدارك الأخطاء السابقة وتفتح آفاقاً جديدة أمام جميع العراقيين، وهذا يمثل في رأي كثيرين إدانة صريحة لنوري المالكي الذي كان السيستاني قد دعا الى عدم انتخابه ووصفته المرجعيات الشيعية بأنه ديكتاتور كما قال مقتدى الصدر!
كيري انهى محادثاته مع المالكي بدعوة مشابهة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الافرقاء العراقيين، داعياً المسؤولين الى الاجتماع واحترام الأول من تموز موعداً لاختيار رئيس للبرلمان وانتخاب رئيس للجمهورية وتكليف شخصية تشكيل حكومة جديدة وانهاء الخلافات والعودة الى الوحدة، لكن الأمر مستحيل في ظل إعلان المالكي عزمه على تشكيل الحكومة مرة ثالثة.
ليس المهم ما يريد المالكي الذي يلعق مرارة فشله ويتلطى وراء موقف مشبوه انطلاقاً من استمرار انهيار جيشه، الذي تردد انه لم يتلق اي اوامر بالصمود والقتال، رغم اعلانات المالكي الذي يشغل وزارتي الدفاع والداخلية وقيادة اجهزة المخابرات بعد سقوط الموصل، عن اعادة تنظيم الصفوف واطلاق هجوم مضاد ضد “داعش” والعشائر السنية المنتفضة ضد ممارساته الاقصائية والانتقامية.
المالكي لن يخرج من السلطة ما لم تصل اليه اوامر ايرانية بضرورة التنحي. صحيح انه رجل طهران وصحيح ان المرشد علي خامنئي وعد بدعمه ضد الارهابيين التكفيريين من جماعة “داعش”، ولكن طهران تعلم ان المالكي بات حصاناً مكسور القوائم وأنها لا تستطيع ان تحافظ على مصالحها في العراق من خلال رجل يرفضه العراقيون والعالم، إلا إذا كانت تريد أن تكرر الخطأ الذي ارتكبته بدعم الاسد المرفوض من العالم ومعظم السوريين، لأنها تدرك ان انهيار المالكي في بغداد سيعجل في انهيار الاسد في دمشق والعكس صحيح، وأن هذا يعني انهيار جسر نفوذها الممتد من مدينة مشهد في شمال شرق إيران الى الناقورة في جنوب غرب لبنان، وفي مرحلة حساسة تحتاج الى هذه الاوراق الحيوية في المفاوضة على المسألة النووية وحتى على دورها الاقليمي!
هناك في الغرب والشرق من يطرح اسئلة خبيثة لكنها باتت ملحة:
ان التقسيم الذي يخدم المصالح الاميركية – الاسرائيلية، والذي شكل هدفا جوهريا منذ أينعت بذوره عندما كان اسامة بن لادن رجل أميركا الذي يقاتل السوفيات في افغانستان، ومنذ كان الامام الخميني الذي أطاح شاه ايران حليف الاميركيين ضيف حلف شمال الاطلسي في باريس… فهل هذا التقسيم يضير الايرانيين فعلا، وخصوصا في ظل الحملة الدعائية التي تحاول تصوير الاسلام السني بمرجعيته السعودية تحديداً داعشياً وتكفيرياً لتأليب العالم ضدّه؟