عروبة الإخباري –
الجمهورية –
اليانصيب الوطني اللبناني… ومن منّا لا يعرفه، وهو جزء من ذاكرة لبنان لأجيال وأجيال. لقد عايَشَ اللبنانيين في مراحل عدّة في يومياتهم، في السرّاء والضرّاء. كثيرون ترسّخ في أذهانهم صورة أطفال يدخلون لتحريك عجلة دواليب الحظ، فتتحرك معها قلوب كل من ينتظر أن يطرق الحظ بابه.
لم يعرف لبنان اليانصيب الوطني كمؤسسة رسمية دائمة إلا في 24 كانون الأول 1942 حين صدر المرسوم الإشتراعي الرقم 301، عن الرئيس ألفرد نقاش، الذي أنشأ للمرة الأولى اليانصيب الوطني بإشراف وزارة المالية.
كان لبنان قد شهد قبل ذلك سحوبات يانصيب متنوعة، لكنها انحصرت بمؤسسات خاصة، أتت الفكرة يومها، من أجل جمع التبرعات والأعمال الخيريّة.
على سبيل المثال، قامت الحكومة اللبنانية قبل عقود من ذلك الحدث، بتنظيم سحب «يانصيب وطني» رسمي من أجل غاية محددة، ولمرة واحدة فقط. كان ذلك في 5 كانون الأول عام 1927 لمساعدة المنكوبين في عهد الرئيس شارل دباس. ويمكن اعتبار هذا الحدث كأول يانصيب رسمي عرفته الجمهورية اللبنانية في تاريخها.
وفي أيامنا يُلزّم اليانصيب الوطني اللبناني، وفقاً لدفتر شروط خاص، يحدد عدد الأوراق، وثمنها، وشروط بيعها، وعدد الجوائز، وقيمتها لكل إصدار، وكافة الشؤون التنفيذية المتعلقة بالبيع والتلزيم، وتعدّ مديرية اليانصيب الوطني هذا الدفتر ويتم التوافق عليه من خلال لجنة اليانصيب الوطني، ويُصادق عليه وزير المالية.
ولكن منذ آذار 2023 توقّف اليانصيب الوطني، على غرار مؤسسات كثيرة لا سيما في ظل جائحة كورونا، وبعدها في ظل الوضع الاقتصادي المنهار، وارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية، علماً أنه كان يُدخِل ما يعادل 40 مليون دولار سنوياً إلى خزينة الدولة، وذلك على سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد. ومن المؤكد أن هذا المبلغ سوف يرتفع اليوم، مع ارتفاع سعر الصرف الى 89 ألف ليرة للدولار الواحد.
تجدر الإشارة إلى أنّ المديرية العامة لليانصيب الوطني هي مؤسسة قائمة في حّد ذاتها، وتموّل نفسها بنفسها، وتدفع نفقاتها كلّها من رواتب وكهرباء وغيرها من النفقات.
والسؤال لماذا لم تستعِد عافيتها وتحذو حذو باقي المؤسسات؟ مع العلم بأنه في حال إعادة هيكلتها ستجبي وتدخل إلى خزينة الدولة مبالغ طائلة، محرومة منها اليوم، حيث ينحصر عمل المديرية فقط بمراقبة السحوبات الخاصة. والواضح ان وزارة المالية مكتفية بهذا القدر من تصريف هذه الأعمال، ومقتنعة بهذا القدر من الربح الخجول.
مديرية اليانصيب الوطني، وعنوانها بيروت شارع الرئيس بشارة الخوري، كانت تضم 35 موظفاً، واليوم انخفض العدد الى 15 موظفاً لا غير، منهم من ترك العمل ومنهم من بلغ سن التقاعد، حتى انّ المدير العام عيّن بالإنابة، ولم يتم تعيين مدير عام أصيل لغاية اليوم.
نفهم ان الحكومة تغضّ النظر عن مؤسسات ربما تنفق ولا تنتج، ولكن هل يعقل ان يكون الحال نفسه بالنسبة الى مؤسسات تنتج وتدخل الأموال الى خزينتها بمبالغ لا يستهان بها؟
يجب إعادة اطلاق اليانصيب الوطني اللبناني، من خلال تحديث القوانين القديمة وإجراء مناقصة جديدة يفوز بها متعهد جديد، يعيدها الى العمل ويحسّن إدارتها، وهذا طبعاً من خلال دفتر شروط تعمل عليه المديرية من خلال استحداث كل القوانين والمراسيم القديمة والعمل على تطويرها وفق نظام آلي متطور، توافق عليه وزارة المالية، وتشرف عليه هيئة الشراء العام، التي تخضع لها كل المؤسسات والوزارات في الدولة.
حان وقت إنقاذ مديرية اليانصيب الوطني، وإعادتها الى الواجهة من جديد.
إنّ خارطة الطريق الى هذا المشروع تمر عبر دعوة الى مناقصة يوجّهها وزير المالية، تبعاً لقوانين جديدة وأنظمة مستحدثة عصرية، تنقض القوانين القديمة المترهلة والمنتهية الصلاحية، بخاصةٍ في ظل التطورات التكنولوجية، مما يعني استحداث مناقصة جديدة، عبر خلق تطبيقات online، ووجود الرسائل الخاصة Sms، وتسويق الأوراق بتقنية جديدة، وفكرة استحداث واسعة من خلال متخصصين في هذا المجال، بشكلٍ يسمح للناس بالحصول على أوراق السحب بالطريقة التي تناسبهم، امّا عبر الـ»أون لاين» أو بأيّ طريقة أخرى من لبنان ومن خارج لبنان.
ويبقى السؤال لماذا لم تتحرّك وزارة المالية لغاية الآن لإعادة هيكلة مديرية اليانصيب الوطني، وبخاصةٍ أنه يشكل مصدر دخل للدولة، في هذه الظروف التي تحتاج فيه الخزينة الى كل قرش إضافي؟