عروبة الإخباري –
قرأت مؤخراً مقالاً لبروفيسور إسرائيلي حول هزيمة محتملة لإسرائيل على يد حركة حماس الإرهابية، وبرر رأيه بأن الحرب في غزة لا ترتبط بالقتل بل بمن يحقق أهدافه السياسية، وقد لفت انتباهي المقال لأسباب عدة ولكنني سأناقش أهمها وهو المتعلق بفكرة هزيمة إسرائيل المحتملة، وهي فكرة مستبعدة من الناحية العسكرية، ولكن اعتبارات النصر والهزيمة في هذا الصراع ليست عسكرية بأكملها، ولكنها سياسية بامتياز وهو ما دفع الكاتب للربط بين نتيجة الحرب وتحقيق الأهداف السياسية.
ثمة نقطة مهمة تتعلق بصعوبة تقييم نتائج حرب غزة بشكل نهائي في ظل استمرار القتال وعدم وضوح سيناريو النهاية بشكل تام، ولكن يبقى في جميع الأحوال للسياسة حساباتها وللعسكرية حسابات منفصلة، وقد يلتقيان ويخدم كلاهما الآخر، وقد يتباعدان ولا تنشأ علاقة بين الجانبين.
مناقشة الأهداف السياسية للطرفين الآن أو مابعد الحرب تبدو معقدة للغاية لأن أهداف إسرائيل غير المعلنة، والتي تبلورت بعد الهجوم الإرهابي في السابع من أكتوبر الماضي، تفوق بمراحل أهدافها المعلنة، والأمر هنا لا يقتصر على استعادة الرهائن والقضاء على حركة حماس الإرهابية فقط، إذ لا يخفى أن هناك أهداف أخرى تتعلق بإعادة صياغة العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية برمتها، حيث تعيد إسرائيل النظر في السلطة الفلسطينية ومستقبل قطاع غزة من الناحيتين الأمنية والسياسية.
بالنسبة لحماس، يبدو الوضع مختلفاً فالقضاء على البنية التحتية العسكرية للحركة الإرهابية في قطاع غزة، وانهاء قدرتها على تهديد إسرائيل لا يمكن اعتباره انتصاراً للحركة الإرهابية حتى لو في إطار دعائي، وحتى لو هرب قادة الصف الأول وبقوا على قيد الحياة، فالمسألة هنا تتعلق بفقدان الوجود وأدواته. القضاء عسكرياً على حماس الإرهابية لا ينفي أن الهجوم الإرهابي في السابع من أكتوبر وماتلاه من حرب مستمرة حتى الآن قد جلب خسائر سياسية كبرى لإسرائيل، فبجانب تجميد بعض اتفاقات تطبيع العلاقات مع دول إسلامية وعربية كبرى، فإن ثمة خسارة مهمة تتعلق بتدهور صورتها الذهنية عالمياً، وهذه أمور قد لا تكون في صدارة أولويات صانع القرار الإسرائيلي في أثناء تركيزه الحالي على ترميم الآثار النفسية الداخلية لهجوم حماس الإرهابي ومعالجة قضايا حيوية مثل استعادة المخطوفين وحسم مصير القطاع، ناهيك عن تبعات مابعد الحرب والتحقيقات الشاملة المتوقع إجرائها للحيلولة دون تكرار ما حدث مجدداً، وتحديد المسؤوليات ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.
النقطة الحاسمة في هذا النقاش لا تتعلق بهزيمة حماس الإرهابية أو انتصارها، لأن التنظيمات الارهابية المنتشرة في الشرق الأوسط ستروج لأي نهاية للحرب باعتبارها هزيمة لإسرائيل، وبالتالي فهذه ليست “مربط الفرس” كما يقولون، ولكن النقطة الأهم هي كيف يمكن لإسرائيل أن تطرد احساس الهزيمة في ظل عدم تحقيق هدف حيوي كاستعادة المخطوفين ؟ وهو الهدف الذي اعتبره أهم من القضاء على حماس الإرهابية لأنه يتعلق بقدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق أهدافه رغم الاعتراف بالقيود الميدانية والعوامل الحاكمة للحروب غير النظامية التي تحد كثيراً من فاعلية الجيوش وقدرتها على العمل في مواجهة الميلشيات.
في الحروب التقليدية المنتصر هو من يحقق أهدافه السياسية، وهذا صحيح تماماً، ولكن حرب غزة يبدو الطرفان خاسران تماماً على المستويين السياسي، فحماس الإرهابية لن تعود كما كانت، والقضاء على قدراتها العسكرية سينهي وجودها السياسي وتبقى فكرة دون نفوذ أو قدرة على لعب دور سياسي فاعل كانت تستمده بالكامل من قدرتها على العمل وفرض كلمتها على الصعيد الميداني. صحيح أن الحركة نجحت في تجميد مسيرة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية، ولكنها خسرت بالمقابل وجودها كفاعل في الساحة الفلسطينية، كما تسببت في خسائر فادحة للشعب الفلسطيني قد تصل إلى مصير القضية نفسها في ظل إصرار الحكومة الإسرائيلية على تحدي المطالب الدولية والاقليمية بشأن قيام دولة فلسطينية.
سيناريو نهاية حرب غزة، هو العامل الفصل في تقييم نتائجها بشكل واقعي، ولاسيما في شقها السياسي، وما يتعلق بخطة اجتياح رفح المتوقعة، وكيفية تنفيذها وما يمكن أن تسفر عنه من خسائر بشرية، فضلاً عن أي تأثيرات أخرى للخطة إقليمياً ودولياً.