عروبة الإخباري –
نعيش في هذه الأيام في زمن الصيام، حيث تزامن شهر رمضان الكريم، مع فترة الصوم الأربعين التي تسبق عيد القيامة المجيد في الأردن، وإن دل على شيء، فإنه يدل على جمال التنوع في وطننا الحبيب، الذي يعكس الحياة التشاركية الطبيعية بين المسلمين والمسيحيين، وهو تجسيد لتجربة يومية تعكس التآزر والتفاهم ، وتشير إلى وحدة الشعب في تجمعهم للاحتفال بلحظات دينية هامة.
في الأردن، يشكل المسيحيون واحدًا من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، والمواطنون المسيحيون في المملكة هم نسل المسيحين الأوائل الذين آمنوا بالسيد المسيح عليه السلام. يعرف الأردن تاريخيًا بأنه بلد التسامح والحياة المشتركة الطبيعية، التي يُطلق عليها “العيش المشترك”. فقد تناقلت الأجيال قصصًا تراثية غنية، تعكس مثالًا فريدًا من الاحترام والتفاهم. فتاريخ الأردن مليء بروح التسامح والتعايش، وتراثه حافل يُظهر التنوع والتآزر في هذا الوطن المبارك، إذ الجميع شركاء في بناء الوطن والمستقبل.
وفيما يتعلق بفترة الصيام التي نعيشها هذه الأيام، يُعَتبر الصيام بالنسبة للأردنيين مناسبة فرح، حيث يتعلمون خلالها تهذيب النفس والارتقاء بها، ويكون الهدف دائمًا لصالح الفرد والمجتمع. في هذه الفترة، يتزايد العطاء بقلب مغبوط، الذي يعزز التضامن داخل المجتمع. يُسعى دائمًا إلى ضبط النفس، خاصة فيما يتعلق بمشاعر الغضب، والسيطرة على المشاعر الشهوانية المتنوعة. وكنتيجة لذلك، يظهر التواضع أمام الله كوسيلة لرفع الإنسان أمام اخيه الانسان، ويُدخل على القلب الفرح.
وتعد فترة فرح، لان فيه يكون التركيز على التواضع أمام الله، و رفع التضرعات والصلوات، سواء لحماية الوطن، قيادة وشعبًا، أو حتى من أجل الإنسانية جمعاء. فقد تعلمنا بأن الانضباط الروحي للصوم يضيف الكثير من الفرح إلى مسيرتنا مع الله، ويعود على الشخص فينا بفوائد كثيرة وكلها منغمسة في الفرح.
ومع ذلك، تبقى فرحة العبادة والاعياد ناقصة وغير مكتملة، لاننا نعيش أوقاتاً صعبة ونتألم متضامنين مع الفلسطينين في محنتهم، خاصة في ظل الحرب الدائرة على قطاع غزة والمشاكل والالام الانسانية التي خلفتها الحرب من تدمير وتهجير وشهداء.
لقد جذب عنف الحرب المتصاعد في غزة إهتمام العالم. رغم ذلك، يعاني الاهل في القطاع الامرين من أمراض ونقص حاد في الغذاء والماء. يشكل النساء والأطفال الشريحة الأكثر تضرراً في المجتمع هناك، حيث غالباً ما تعتبر سلامتهم وحقوقهم الإنسانية هي الأولوية وسط الصراع المستمر.
إن وحشية الحرب تحطم جميع الاعتبارات الأخلاقية وكل جانب من جوانب حقوق الإنسان وهذه تشكل غصة تنقص فرحة العبادة والاعياد.
قد طالب الاردن على مدى السنوات الكثيرة الماضية بتحقيق العدالة الإنسانية، وخلق مساحة سياسية واجتماعية تمكننا من تحقيق تأثير سلمي ملموس على أرض الواقع. فمع السلام، يكون العدل واحترام الكرامة البشرية من بين القيم الأساسية، ويعتبران محفزين قويين لتحقيق تطور إيجابي في المجتمعات، ووضع حد ونبذ النزاعات والعنف والحروب، وعلى جميعنا واجب نؤديه في هذا المساق أفراداً ومجتمعات، وبالذات وسائل الاعلام
* السماعين، صحافية وكاتبة مختصة في شؤون الحوارات والسِلم المجتمعي، حاصلة على لقب صانع سلام