إذا صح أن إيران دقت النفير العام للدفاع عن النظام السوري لاستباق أي هجوم من المعارضة السورية على دمشق يخطط له منذ أشهر، فإن هذا يؤشر الى أن الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة عنوانها المزيد من الانغماس الإيراني في هذه الأزمة، لأن طهران لن تقبل بتجريدها من أوراق نفوذها في المنطقة التي تتعرض للتهديد منذ أشهر، بدءاً من سورية، مروراً باهتزاز المعادلة الحاكمة في العراق برعايتها، وصولاً الى تعطيل الحراك الذي تدعمه في عدد من الدول الخليجية وفي اليمن، تارة عبر المواجهة، أو عبر الحوار.
وعلى عكس اعتقاد الكثيرين بأن العروض التي قدمتها مجموعة دول 5+1 لطهران في مفاوضاتها معها في شباط (فبراير) الماضي، ستلقى تجاوباً منها لاستلحاق ما يمكن أن تخسره من أوراق إقليمية فتقبل على تسوية مع الدول الغربية حول ملفها النووي فتحصل على مكاسب تشرّع استخدامها للطاقة النووية، مع وضع حدود لانفلاشها الإقليمي، فإن القيادة الإيرانية كانت في واد آخر. والأرجح أنها ترى وجوب التمسك بأوراقها الإقليمية، للتفاوض عليها وعلى مكاسبها في الملف النووي معاً.
ليس صدفة أن تتزامن أحداث في المنطقة تحمل التوقيع الإيراني: المشاركة العلنية بلا أي حرج لـ «حزب الله» في القتال الى جانب النظام السوري في محاولة لاستعادة مناطق سيطر عليها الثوار، حتى لو كانت هذه المشاركة في العمق السوري وصولاً حتى حمص وبعيداً من الحدود اللبنانية – السورية في منطقة البقاع الشمالي، تنفيذ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، رجل طهران المفضل في بغداد، تهديده بسحق معارضيه والعشائر التي كانت بدأت اعتصامات ضد سياسته في محافظة الأنبار منذ أشهر، بإعطاء الأوامر للجيش بأن يقصف المعتصمين غرب كركوك ثم بغداد، عودة المعارضين في البحرين الى الشارع بعد أن كانوا أقبلوا على الحوار قبل أشهر، وأخيراً تهديد الرئيس السوري بشار الأسد الغرب بأن الإرهاب سينتقل إليه، ثم دعوته حلفاءه الى ما يشبه التعبئة العامة عند استقباله وفد الأحزاب الحليفة له ولطهران الأحد الماضي في دمشق حيث انتقد سياسة النأي بالنفس التي يعتمدها لبنان الرسمي واستهزأ بها، معتبراً أن لا مجال لهذه السياسة، خصوصاً أنه يعتقد أن على القوى اللبنانية التي ساهم في دعمها وشد أزرها في عز نفوذه في لبنان، أن تبادله الدعم الآن وهو في الضائقة التي يعيشها.
وإذا كان الأسد كشف أمام وفد الأحزاب بوضوح ما يرمي إليه من تغيير في ميزان القوى على الأرض بعد أن نجحت المعارضة والجيش السوري الحر في السيطرة على مزيد من المناطق، بقوله إن الوضع الميداني على الأرض السورية سيؤثر على نتائج القمة الأميركية – الروسية في إرلندا في حزيران (يونيو) المقبل، وليس العكس، فإن ما تلغط به الأوساط القريبة من طهران يشي بأن التعبئة العامة التي أطلقتها قد تذهب أبعد من ذلك في إصرارها على عدم إضاعة أمّ الأوراق الإقليمية التي تمتلكها، أي سورية. وإذا صح ما يقال عن أن دق النفير الإيراني يشمل إضافة الى الانخراط المكشوف لـ «حزب الله» في معارك الداخل السوري، استقدام مقاتلين موالين لطهران من شيعة بلدان عدة، عربية وآسيوية، لمواجهة المعارضين والمقاتلين العرب الجهاديين الذين انتقلوا الى الميدان السوري للمشاركة في إسقاط النظام، فإن الجانب الإيراني لم يعد يأبه لتأثير كل ذلك في تصاعد الحساسية السنية – الشيعية في المنطقة برمتها، وللفوضى التي يمكن أن تتسبب بها. كما انها لم تعد تهتم لغرق «حزب الله» في ما يسمى الفتنة المذهبية التي يستثمر فيها العالم الغربي، المنشرح لغرق الأصوليين السنّة في المطحنة السورية والمغتبط لقتال شيعة «حزب الله» هؤلاء في بلاد الشام.
أخطر ما تشي به خطوات النفير العام والتعبئة الشاملة التي تنفذها طهران من أجل إنجاح هجومها المعاكس للاحتفاظ بأوراقها الإقليمية، وفي الطليعة ورقتها السورية، هو ما يؤشر إليه توزيع صورة اجتماع مرشد الجمهورية الإسلامية مع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الفريدة من نوعها، والتي لها وظائف عدة بالتزامن مع الانخراط المكشوف للحزب في الداخل السوري. فهي ترمز الى أن الأخير هو الوكيل الفعلي لتنفيذ هذا الهجوم من جهة وهي رسالة إلى من يتساءلون من جمهور «حزب الله» عن جدوى هذه السياسة وهذا التورط، ومن يتبرمون في صفوف الشيعة اللبنانيين من هذا المسار، بأنه يحظى برعاية الولي الفقيه الذي عليهم طاعة إرادته حتى لو تطلب ذلك استخدام لبنان معبراً وحيداً لهذه السياسة وهذا المسار، بعد أن سدت أبواب تقديم المساعدة للنظام السوري من الجبهات الأخرى، بما فيها العراقية…
إلا أن النجاح في ذلك يتطلب تفتيت دولة لبنان إذا كانت مؤسساته ستحول دون استخدامه ميداناً للتعبئة العامة، فهل ان الدول الكبرى ستسمح بذلك؟
وليد شقير/دق النفير الإيراني لنصرة الأسد
14
المقالة السابقة