ماراثون الخطابة انتهى وقد تحول البرلمان إلى معهد للخطابة وأعتقد أنه دخل قاموس جنيس في هذا المجال فالأيام الستة من النقاشات للبيان الوزاري جاء حصادها لصالح الرئيس عبدالله النسور فقد حصد (82) صوتاً مقابل حجب (66) وتعتبر هذه الحصيلة ايجابية في زمن أراد فيه البرلمان أن يرسل للشارع رسالة واضحة أنه ليس في جيب أحد وأنه لم يعد يؤمر فيطاع أو يضغط عليه فيستجيب.
نسبة النصف زائد (7) أصوات هذه تشبهها حكومة عبدالسلام المجالي التي أخذت فقط 41 صوتاً من أصل 80 صوتاً حين كان عدد أعضاء البرلمان (80) عضواً..
خاض الدكتور النسور تجربة عسيرة وقوية صمد فيها وكان رابط الجأش واسع الصدر متحملاً مدركاً عظم المسؤولية جاءت حرقة بعض النواب وحرصهم ومزايدة الآخرين او رغبتهم في الاستعراض ويبدو لي وأنا أراقب امشهد أن الذين أعطوه عن قناعة وأن الذين حجبوا عنه حجبوا عن قناعة أيضاً..
الكراسة التي استمر النسور يسجل عليها ملاحظاته هي استمرار للدفاتر الصغيرة التي كان يحشرها في جيبه أثناء لقاءاته المستمرة مع النواب في أكثر من بيت ومناسبة وهذه الملاحظات تذهب الآن للتكثيف والتلخيص لاستخراج الأساسي والمعقول والمنطقي من مطالبها وربما تكون مشكلة لأجندة الرئيس وبرنامج العمل القادم لحكومته والسؤال إلى أي مدى استطاع الرئيس أن يلاقي مطالب السادة النواب وإلى أي مدى يمكنه أن ينفذ منها..وهل منحه الثقة بهذه النسبة المريحة حيث كنت وأنا أستمع لخطب البعض ممن منحوا أعتقد انهم سيحجبوا.
اللافت للانتباه الوجوه الجديدة الشابة في مجلس النواب والتي استمعنا لها وهي تتكلم وعلى طريقة تكلم لأعرف من أنت وهي قادرة أن تعبر عن أفكارها ومصالح ناخبيها وأعتقد أن البرلمان تغير بشكل أساسي عما كان عليه في السنوات السابقة فقد انتهت نسبة ما فوق 90% في منح الثقة حين نالت حكومة سمير الرفاعي (110) صوتاً فقد جاء من يحاسب ويراقب ويرغب في أن يظل قريباً من الشارع.
اللافت أيضاً أن السادة النواب في غالبيتهم يميلون إلى سن قانون انتخابات جديد رغم أنهم جاءوا على أساس قانون الصوت الواحد وهذا لم يغرهم للتمسك به بل انهم واثقون من أن نجاحهم له اعتبارات أخرى..
البرلمان اليوم يحسب له حساب ولا يستطيع أحد مهما أوتي من نفوذ وقوة ومعرفة أن يضمن توجيه المجلس أو التحصن من مطالبه وحقه في تمثيل الناخبين..
أمام البرلمان الآن مرحلة هامة هي مرحلة تشكيل شكل المرحلة القادمة برمتها والانتقال به إلى أفق جديد تماماً وإذا ما اعتبرنا هذا البرلمان السابع عشر مرحلة انتقالية بين مرحلتين مرحلة كان البرلمان فيها قابلاً للتدخل والتشكيل والتأثير ومرحلة جديدة تماماً قادمة لا نعرف مستوى قدراتها بعد فإنه اي هذا البرلمان بدأ مخلصاً لدوره ومهمته..
يجب أن تنتهي حالة الاستعداء على البرلمان ومحاولة احتواءه وهي المحاولات التي مارستها الحكومات منذ قيام الدولة وقد ساعدها الاعلام في ذلك لتبقى البرلمانات تابعة أو خائفة من الحل فقد كان يكافأ من يمنح ويعاقب من يمنع..
اليوم اختلف الأمر وأصبح البرلمان أكثر قدرة في التعبير عن نفسه وسيادته وقدرة على التمثيل وهذه القدرة الجديدة التي لا بد أن تنعكس في الرقابة والتشريع تستلزم وجود حكومة قوية لأن الحكومة القوية لا بد أن يقابلها برلمان قوي وهكذا ..عندها تستقر الأوضاع خاصة اذا ما استمر فصل السلطات وعملت كل جهة على خدمة الاهداف التي كلفها بها الدستور..
لن يكون مشوار هذه الحكومة سهلاً فهي في اختبار مستمر أمام كل خطوة أساسية تخطوها ولعل وعي رئيسها على دوره وكونه قادم من خدمة برلمانية طويلة ومن موقع من كان يعارض سوف يمده بطاقة اصلاحية واضحة لا يستطيع أن ينجز برنامجها وهو معارض كما لا يستطيع أن ينجز وهو خارج موقعه الان ولذا فإننا نتفائل أنه من خلال موقعه قد يستطيع أن يحقق الكثير مما كان يرغب في تحقيقه أو بما التزم به أمام النواب تحت الثقة ويبقى أن الأيام القادمة هي التي ستثبت إلى اي مدى يستطيع رئيس الحكومة أن ينطلق بلا مقيدات موروثة ظلت بحاجة إلى من يهزها من موقع القوة ويتجاوزها ويحسم معركته معها..