عروبة الإخباري –
يدرك الكثيرون في منطقتنا والعالم أن إيران تدعم بشدة الهجوم الإرهابي السابع من أكتوبر الذي شنته حركة #حماس الإرهابية ضد إسرائيل، وبعيداً عن الخوض في نقاشات حول حدود هذا الدعم، وما إذا كان يصل إلى حد المشاركة في التخطيط وتقديم الدعم المعلوماتي وغير ذلك أم يقتصر على مشاطرة الأهداف والمصالح بين إيران وأحد الأذرع الإرهابية مايعرف بمحور “المقاومة” الذي تقوده، فإن من الضروري دراسة مكاسب إيران الاستراتيجية مما يجري في غزة.
الحقيقة التي لا شك فيها أن مجرد اندلاع صراع عسكري بين إسرائيل، وأي طرف في الشرق الأوسط يمثل مصلحة استراتيجية إيرانية مؤكدة، وتتعمق هذه المصلحة بالتبعية إذا كان هذا الطرف ينضوي تحت راية محور تقود إيران وتموله وتدعمه سياسياً واستراتيجياً.
إسرائيل في الخطاب السياسي الإيراني توصف بأنها “ورم سرطاني”، وبالتالي فهي تسعى دوماً لاستهداف إسرائيل بخططها ولكن بشكل غير مباشر، حيث ظلت طهران دوماً بمنأى عن التورط في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، واكتفت بتوظيف أذرعها الميلشياوية ابتداء من “حزب الله” اللبناني إلى الحركات الفلسطينية المسلحة في مواجهة إسرائيل والضغط عليها، ولا يجب أن ننسى أن العقيدة العسكرية الإيرانية تعتمد بشكل كامل على خوض الحروب بالوكالة، وهي استراتيجية تختلف مع عقيدة الجيش الإسرائيلي القائمة على نقل الحرب إلى أرض الغير، بحكم محدودية العمق الاستراتيجي الإسرائيلي، وهنا تمثل الميلشيات الإرهابية عنصر ضغط بالغ الخطورة على إسرائيل لأن هذه الميلشيات تعتمد على إطلاق الصواريخ بأمدية وتقنيات مختلفة في العمق الإسرائيلي، وبالتالي تمثل عنصر ضغط شديد التأثير والخطورة على القرار الإسرائيلي، لاسيما في ظل تطور متسارع لمنظومات الصواريخ والمسيرّات التي تمتلكها هذه الميلشيات اعتماداً على الدعم التكنولوجي والتدريبي الإيراني.
قناعتي أن إيران لا ترغب في خوض مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل حالياً أو مستقبلاً، ولكنها تسعى لابقاء الأمر على حافة الهاوية، وتستخدم أذرعها في الضغط لانتزاع تنازلات غربية ـ إسرائيلية بالنفوذ الإيراني إقليمياً، ولكن ماحدث في غزة فاق التصورات، وخرج عن سيطرة التفكير الاستراتيجي الإيراني لأن ماحدث في الداخل الإسرائيلي يصعب القفز عليه أو تجاهله، وبالتالي فإن لحظة تصفية الحساب مع إيران ربما تكون قد حانت، والأمر هنا قد لا يعني خوض حرب إسرائيلية ضد إيران بالضرورة، لأن إسرائيل قد لا تكون مهيأة تماماً لخوض هذه المواجهة وتحمل تبعاتها أيضاً، ولكن من المرجح أن تبدأ جهود التصدي لتمددها الاستراتيجي الذي يهدد أمن دول أخرى، وأن تتركز الجهود على مكافحة الأذرع الإرهابية الميلشياوية التي تمولها في الكثير من دول المنطقة.
علاقات إيران بإسرائيل هي مسألة يربطها النظام بشرعيته السياسية، التي يستمد جانباً كبيراً منها من ادعاء العمل على تحرير القدس والعمل ضد إسرائيل، وذلك نلحظ أن فكرة العداء لإسرائيل لا تخمد بالنسبة للنظام الإيراني، حتى في أثناء فترات الهدوء التي سادت العلاقات المتوترة بشكل دائم بين واشنطن وطهران.
بالنسبة لإيران، وبغض النظر عن دعمها لخطط “حماس” الإرهابية بشان الهجوم على إسرائيل أم لا، فإن اندلاع الصراع الحالي في غزة يصب بمصلحة طهران، حيث عاد العداء لإسرائيل، على المستوى الشعبي على الأقل، يطغي على أجواء الشرق الأوسط، وانحسر الحديث عن التعايش والسلام والأمن والاستقرار، وهذا بحد ذاته يصب في مصلحة دعواتها المناوئة لاتفاقات السلام الموقعة بين دول عربية عدة وإسرائيل، ولاسيما أن أزمة غزة قد تسببت في تجميد أهم مرحلة من مراحل تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب وهي المرحلة السعودية، بكل ما للمملكة العربية السعودية من ثقل روحي وديني ومكانة اقليمية ودولية بارزة، وحيث كان يعتقد أن توقيع اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل سيكون محطة نوعية فارقة من شأنها تغيير الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.
ثمة احساس إيراني عميق بتقويض المسعي الأمريكي الخاص بمواصلة مسيرة تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب، حيث كانت إيران ترى في هذا السيناريو مسعى لتطويقها استراتيجياً عبر محور سلام وتعاون إقليمي بلغ ذروته بالاعلان عن مشروع الممر الاستراتيجي الذي يحقق نقلة نوعية للتعاون التجاري المشترك بين الهند وأوروبا مروراً بأراضي السعودية والإمارات والأردن وإسرائيل. الحراك الاستراتيجي المتسارع في الشرق الأوسط حقق هدفاً في مرمي النفوذ الأمريكي العالمي بنجاح الوساطة الصينية بين إيران والسعودية، ثم تحقق هدف طهران الرامي إلى تأجيل خطط السلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
بلاشك أنه لا يهم إيران كثيراً تطبيق حل الدولتين أو التوصل إلى تسويات تضمن عيش الفلسطينيين بكرامة وآدمية، ولكن يهمها بالدرجة الأولى أن تبقى إسرائيل مأزومة داخلياً وفي صراع مع جوارها المباشر، حتى لا تفكر في توجيه ضربة عسكرية لها أو التفرغ للتخطيط للقضاء على البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، لاسيما أن قدرة إسرائيل على بناء دبلوماسي دولي ضد إيران بات معقداً للغاية في ظل تداعيات حرب غزة، وبالتالي فقد انصرفت الأنظار تماماً ولو بشكل مؤقت عن التهديد النووي الإيراني، وممارسات إيران الإقليمية وانتقلت بؤرة الانشغال الدولي إلى إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية، وهذا بحد ذاته يوفر لإيران فسحة من الزمن للانتهاء من اتمام مخطط الحصول على قدرات نووية، فضلاً عن انشغال إسرائيل بأمنها الداخلي لبعض الوقت من دون أن تفكر في مناكفة إيران سواء بحرب سيبرانية أو تقليدية.
في ضوء ماسبق، ينظر الاستراتيجيون الإيرانيون بارتياح بالغ لما يحدث في غزة، ويتمنون تصاعد الأزمة انسانياً وعسكرياً حتى تغرق إسرائيل في تداعياتها وعواقبها، وهذا بحد ذاته يتماهى تماماً مع المصالح الاستراتيجية الإيرانية خلال المدى المنظور على أقل التقديرات.