عروبة الإخباري –
كثرة الكلام عن سيناريو التهجير من فلسطين الى مصر والأردن، توحي وكأن الأمر سيتم آجلا أو عاجلا، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا، بعد تعرض السيناريو لتغيرات جوهرية.
عند الكلام عن الضفة الغربية والقدس مثلا، والمخاوف من التهجير إلى الأردن لا بد أن يشار إلى أن أهل الضفة الغربية والقدس الموجودون حاليا، لم يتركوها في حرب 1967، ولا في فترة الانتفاضة الأولى، ولا الانتفاضة الثانية، ولا خلال كل المواجهات والاقتحامات وعمليات الاعتقال والقتل الأعمى، وهناك أدلة كثيرة على عمليات إسرائيلية عسكرية وحشية لم تدفع الناس للهجرة بشكل جماعي، حتى نحو مدينة فلسطينية محاذية، وهذا يعني أن الناس يدركون اليوم أن كلفة البقاء ومواجهة النتائج، المسرب الوحيد المتاح، ليس لان أحدا يعاديهم في دول الجوار، ولكن لأن التهجير خطير جدا، على حياتهم واستقرارهم، ومصير قضيتهم.
ابشع السيناريوهات لا تتحدث لك عن كيفية التهجير وآلياته. هل ستجمع إسرائيل الفلسطينيين في حافلات وتطلب منهم التوجه إلى الحدود، ام ستقصف بشكل عشوائي، فيضطر الناس أن يغادروا، ام انها ستنفذ مخطط التهجير عبر فتح ممرات آمنة نحو اريحا مثلا، والأغوار، لتكون المرحلة اللاحقة نحو الأردن، وهنا فإن كل هذه الاحتمالات تبدو غير قابلة للتطبيق على الأرض، لاعتبارات كثيرة، دون أن نحمل الفلسطينيين هنا أكثر من احتمالهم، لكنها تبدو استحالات، لأسباب واقعية، ولوجود موانع فلسطينية وأردنية وعربية ودولية، ولو كانت إسرائيل قادرة على تحقيق اختراقات في ملف التهجير، لحققتها على الأقل من خلال التهجير الناعم والمتدرج، خلال عقدين، من خلال تزيين فرص الخروج من الضفة الغربية بشكل طوعي، وهو أمر لم يحصل، لادراك الناس، خطورة التسلل خارج فلسطين، ولكلفة ذلك عليهم.
علينا أن نشير إلى أن وجود المخيمات في الضفة الغربية يعني أن أهلها لن يغادروها، في هجرة ثانية، إذ أن جميع سكان المخيمات في الأساس من لاجئي مدن فلسطين المحتلة عام 1948، وهؤلاء لن يقبلوا إعادة التهجير مجددا، فهي مصيبة مركبة هنا، أي أن يضطروا لإعادة التهجير مجددا، هذا إضافة إلى أن مدن الضفة الغربية والقدس غير متصلة، مما يعني استحالات التسبب بهجرة جماعية بتوقيت واحد، وعلى أساس كتلة بشرية متحركة نحو الحدود.
لقد راينا نموذجا بارزا في غزة، وعلينا أن نعترف أن الغزيين هم الذين خفضوا جاذبية التهجير، وأفشلوا السيناريو الإسرائيلي، على الرغم من أننا رأينا نزوحا داخليا من شمال القطاع إلى جنوبه، وتبقى في شمال القطاع أكثر من 600 ألف فلسطيني لم يتحركوا من بيوتهم، برغم قصف الطيران كل ساعة، وراينا أيضا أن الناس تجمعوا في جنوب القطاع مؤقتا.
وبرغم الكلام عن أن إسرائيل تستهدف لاحقا الجنوب، إلا أن الناس فعلوا العكس، وحاولوا العودة لتفقد ممتلكاتهم في شمال القطاع، لا.. ترك كل شيء، ولم نسمع عن محاولة فرد فلسطيني واحد التسلل عبر الحدود إلى الشقيقة مصر، فيما تصنيع أي ظروف دموية لتهجير الغزيين نحو الشقيقة مصر، لن ينجح، ولو كان مؤهلا للنجاح لنجح خلال الأسابيع القليلة الماضية، وغزة هنا هي التي أفشلت سيناريو التهجير، في القطاع والضفة الغربية والقدس، هذا فوق الموقف الرسمي لمصر والأردن الذي كبح جماح الجنون الإسرائيلي باعتبار أن محاولات التهجير هي حرب معلنة على البلدين، دون أن ننسى هنا أن 64 بالمائة من أهل القطاع هم لاجئون أساسا قدموا من فلسطين المحتلة عام 1948، بعد الحرب، ولن يقبلوا نكبة جديدة، وإعادة تهجير، وان كانوا تحركوا ونزحوا في ذات منطقة القطاع، بشكل مؤقت حتى الآن.
هذه تصورات ينبغي الوقوف عندها اليوم أمام تعبيراتنا عن المحاذير والمخاوف مما يجري، دون أن نتراجع في الوقوف ضد هذا السيناريو، لان الأخطر من التهجير، هو تحويل حياة الفلسطينين في القطاع والضفة الغربية إلى جهنم مفتوحة، تجعلهم يعانون على كل المستويات، في عقاب إسرائيلي يتنزل على الفلسطينيين، أمام اصرار هؤلاء على البقاء في بيوتهم.
علينا أن نفتح عيوننا على السيناريوهات الإسرائيلية البديلة للتعامل مع الوجود الفلسطيني، وما يمكن قوله إن خطر سيناريو التهجير انخفض جزئيا، مقارنة ببدايات الحرب، وأوسطها.