عروبة الإخباري – خاص- سلطان الحطاب- أشفق على هذا الرجل الذي كلما تقدم به العمر راح يعمل اكثر من اجل القضية التي آمن بها ولم تغادر عقله ووجدانه وظل يحملها في المنافي وحيثما حلّ او ارتحل ..
لم يتراجع ايمانه بها حتى في الاربعين سنة التي امضاها في جهاده الاكبر يعمل ويبني ويجتهد ليبني اسما ويجمع ثروة، فما ان تم له ذلك حتى دعا من امنوا مثله بضرورة الاستثمار في الوطن فكان له ان اسس شركة “باديكو ” فلسطين للتنمية والتي عملت الكثير وما زالت تتقدم لتشكل العمود الفقري في الاقتصاد الفلسطيني .
ساتحدث عنه في الجانب الوطني المباشر .قلت ان الثمانين من العمر لم تصده بل اطلقت فيه طاقة غريبة فهو يحسب كل يوم فيها لانجاز خطوة جديدة .فقد ظل يؤمن ان رحلة الالف ميل تبدا بخطوة واحدة، وحتى لو كانت هذه الرحلة الاف او ملايين الاميال فانه عازم على قطعها الى ان يشاء الله . يمضي على درب الكفاح وقد وضع اولى مهماته اصلاح ذات البين بين الفصيلين الاساسيين في الساحة الفلسطينية فتح وحماس وقد ادمى قلبه الانفصال الارعن وغير المسؤول والذي وقع عام 2006ليجعل القضية الفلسطينية اكثر تعقيدا ..من يومها وعملية المصالحة على جدول اعماله وقد لاقى قبول الطرفين، وفتحت غزة له ابوابها ليلتقي من فيها من اطراف الصراع ويعرض عليهم رؤيته التي جسدها من خلال “منتدى فلسطين” الذي جمع فيه مجموعة من الشخصيات الفلسطينية المستقلة التى ترى رؤيته .
ظل منيب المصري يفرح كالاطفال حتى يرى تقدما في المصالحة ويحزن كالام الثكلى حينما يرى تراجعا او استنكافا عن تقريب يوم الوحدة ودمل جراح الانفصال وحتى نسيانها .
لم يؤمن بالادعية من اجل ذلك ولا التوسل او الانابة او الاكتفاء بالطلب من هذا الطرف او ذلك لانجاز هذا الموقف التاريخي بل نهض بنفسه في البرد والحر وفي اطراف النهار والاء الليل ..واحيانا مع الفجر ليتجشم المشاق ويقطع الحواجز الاسرائيلية المسلحة ويتحمل رؤية جنود الاحتلال الذين اغتصبو وطنه وما زالو يغتصبونه امام عينيه، شهد حوارات القاهرة والدوحة ونابلس والقدس وغزة ورام الله وبيروت وحوارات عدة في عواصم العالم، ظل يحمل في يده ملفا خاصا فيه قبول الاطراف المتخاصمة بمهمته، وفيه توقيع الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وقيادات حماس وفي الملف صورة الرئيس العظيم الراحل ياسر عرفات، وتوصيات منه، وتقدير عال لدور هذه الشخصية الاقتصادية الوطنية، التي ضاقت عليها الارض بما رحبت ولم تشتري بالوطن مالا ولكنها اشترت الوطن بان بايعت ان تبقى له ومعه بكل غال ونفيس . والارض التي ضاقت عبر العالم اتسعت في نابلس في سجن الاحتلال الكبير الذي بنى فيه بيته ، واسماه فلسطين على جبل جرزيم ليظل شاهدا ومبشرا بالقضية التي اراد ان يكون لها.
منيب المصري كان امس الاول سعيدا ومبتهجا لا لنتائج الشركات التي يقودها والتي عايشها منذ اربع عقود ونيف . ولكن لان ما استثمره في المصالحة الوطنية الفلسطينية قد يؤتى أكله الان، وما دعا اليه وطالب به وسهر وعانى من اجله، جاء وقته وبلغ استحقاقه..
كان يحدثني بشغف عن ما حدث ..هو لايتحدث عن شخصه ولا عن ما عمل ولكن يريد للفلسطينيين ان يطمئنو على ان هناك من يعمل ويدعوهم للانخراط معه في العمل فهو يؤمن بما يؤمن به النمل فيما قاله شاعر فلسطيني الراحل الكبير توفيق زياد :
لاني لست كالكبريت اضيء لمرة واموت .
لاني مثل نيران المجوس اضيء ومن مهدي الى لحدي
طويل كالمدى نفسي واتقن حرفة النمل
لان وظيفة التاريخ ان يمشي كما نملي ..
لم يغب في اللحظات التاريخية الحاسمة ولم يدفن راسه في الرمل . فقد كان هناك ، حين وصل عرفات الى فلسطين ليرسل رسالة مشتركة عن الداخل والخارج وهما ظهر وصدر لنفس الجسد ، حين كانت قوى مغرضة تحاول ان تقسم الجسم الواحد بين داخل وخارج فكان انتصاره هو في ان تجسدت الوحدة وقامت السلطة وتحقق الكثير من البناء .
وكان هناك حين وقع الانفصال البغيض الذي فرق بين المرء واخيه وصاحبته وبنيه، لم يضع راسه في الرمل ساعتها ، بل نهض من اللحظة الاولى لاطفاء الحريق ومحاصرته وراح يجذف باتجاه عودة الضفتان الغربية والجنوبية ..معا لان فلسطين الجريحة اكبرمن كل قيادتها واكبر من كل من ادعو حبها .
قرات البيانات الهامة التي اصدرها حين صمت الكثيرون ، وراقبت الغراس التي زرعها حين قلع الاخرون الزرع وداسوه وكفرو بتراب فلسطين ..قرات مادعا اليه في المنتدى وخارج المنتدى من اجل القدس ووقفية القدس وصندوق القدس وفلسفته في البناء والعطاء ،وكنا نخفف عليه احراجه حين يزعجنا لاجتماع كما فعل في فجر احد الايام حين دعا اعضاء الهيئة الادارية لجمعية الشؤون الدولية في عمان لاجتماع استشاري معه واطلاعهم على خططه الموجهة للجاليات خارج فلسطين بخصوص القدس .فهو لا يفرق بين الاردن وفلسطين .
كنت اجبت على سؤال زميل يجلس جواري ويسأل ماذا يريد هذا الرجل الذي تجاوز الثمانين من اجتماعات مستعجلة ولماذا كل هذا النشاط والحرص وهو يعاني اكثر من شبكة مغروسة في قلبه ليستمر.. ان لديه المال والعمل وكل شيء؟ قلت: يريد “نابلس” حرة،عشيقته التي احبها ويراها في الاسر. يريد للاطفال المشردين ان ينتسبوا لوطن يحمل اسمهم ويحملون اسمه.. يريد ان يقول لحفيده الجريح الذي اطلق عليه الاسرائيليون النار في ذكرى النكبة وهو يحتج على احتلالهم ” لن نهدا الا وقد حققنا حلمك يا منيب الحفيد ” .
يحرجنا هذا الرجل الذي كلما رانا “نخانا”لنعمل من اجل فلسطين المحتلة والجريحة والاسيرة ومن اجل قدسها ومقدساتها ويسالنا كما لو كنا في المدرسة ماذا عملتم؟ هل حللتم واجباتكم واين وصلتم في كذا وكذا .
انه رئيس مدرسة الكفاح المدني من اجل فلسطين يؤمن بأن الكفاح لا يكون بالرصاص و السلاح فقط وانما بكل مفردة صغيرة او كبيرة وهو يرى ان سلم الكفاح يتدرج من الالف حتى الياء، ومن مقاومة الاحتلال بالصمود والثبات والى حالة الصدام .ويرى ان تعبئة الشعب بقضية اولى من الصراعات الايدولوجية التي لا تنفع ، وان تحرير اسير او الدفاع عن منزل في القدس يريد الاحتلال مصادرة انفع من كل الخطب واهم من كل المؤتمرات.
اخر المشاهد له كانت في غزة كان في خضم العمل مع وفد فتح مرة ومع وفد حماس مرة الى ان جلسا معا ليكون بينهما موحدا لا عازلا ويكون الصمت ابلغ من القول والحاح الواقع الفلسطيني اليق من العتاب .
المهمة مازالت قائمة وكثير من المستقلين ومعظم النشطاء الفلسطينيين من المستقلين بعدما اصبح العمل الفصائلي جزء من المشكلة في الانقسام بدل ان يكون هو الحل . ولهذا فان المستقلين يرون ان هذه الشخصية منيب المصري الرجل الذي لابد ان تسنده الرجال حتى تبرأ الفصائل مما نزفت وعانت وارتكبت وتعود الى فلسطين وتعود فلسطين اليها .
يا منيب اطال الله بك العمر لتشهد فرحة اهلك وترى نابلس وقد خرجت ترفع اعلام الوحدة وتمسح من سجلاتها ذلك الانقسام البغيض .فحيا على الفلاح . حيّا على الفلاح وليكن لك يا منيب من صدقك وحرصك وتعبك واخلاصك رصيدا يثمر الان وتهنأ به ، ومعك من امنو بدورك واحبو مسيرتك في المصالحة .
لقد “اديت قسطك للعلا ” وما زلت تعمل فليهنأ بك من عملو وما زالوا يعملون ..يا ابا ربيح..