عروبة الإخباري –
يعد أمن الطاقة من القضايا الأساسية التي أولتها الحكومة اهتماما استثنائيا خلال السنوات الأخيرة، لمواجهة التداعيات الناجمة عن الظروف السياسية التي يشهدها العالم، والتي أثرت بصورة مباشرة على النمو الاقتصادي والأمن القومي ورفاهية المواطنين.
وفي هذا الإطار وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني، عملت وزارة الطاقة والثروة المعدنية على تطوير استراتيجياتها لمواجهة تحديات الطاقة والوصول بالمملكة إلى الحدود الآمنة المتعارف عليها دوليا من حيث مخزونه من المشتقات النفطية وديمومة تزويد المملكة بالتيار الكهربائي الذي وصل إلى 99 بالمئة، في أحدث إحصائيات الوزارة.
واعتمدت استراتيجيات الوزارة على نهج شمولي ومتكامل لتحقيق أمن الطاقة من خلال التحول نحو مصادر أكثر استدامة، وزيادة كفاءة الطاقة، وزيادة مُساهمة الطاقة المحلية في خليط الطاقة الكلي، لا سيما الطاقة الخضراء بالاعتماد على توافر مصادر الطاقة المُتجددة وتعزيز المخزون الاستراتيجي من المحروقات.
وبهذا الخصوص يؤكد خبراء الطاقة أن وضع المملكة آمن من حيث توفر مخزون استراتيجي من المشتقات النفطية يكفي لفترات طولية، إذ وصل استمرار تأمين التزود بالمشتقات النفطية في المملكة بنسبة 100 بالمئة، فيما حافظت شركة الكهرباء الوطنية على ديمومة النظام الكهربائي واستقراره من خلال مواصلة جهودها للمحافظة على سلسلة قوية لتزويد وإمداد خدمات التيار الكهربائي.
الهدروجين الأخضر والطاقة المتجددة
وفقا لوزارة الطاقة، فقد تمكنت وفقا لاستراتيجيتها من الوصول إلى نسبة مساهمة الطاقة المتجددة من توليد الكهرباء إلى 27بالمئة، ويطمح الأردن للوصول إلى نسبة مساهمة تصل لـ 50بالمئة من طاقته الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة المتجددة في العام 2030، بل وجعل المملكة مركزا لإنتاج وتصدير الطاقة الخضراء للدول المجاورة والعالم سواء على شكل طاقة كهربائية مولدة من مصادر الطاقة المتجددة، أو على شكل الهيدروجين الأخضر والميثانول الأخضر، لذا تتسارع الخطوات محليا في إعداد استراتيجية الهيدروجين الأخضر، ما يمكن البلاد من تحقيق القدرة على المنافسة في المنطقة، سعياً لتعزيز الاستدامة وتحسين سبل الاعتماد على المصادر الذاتية في قطاع الطاقة الأردني.
وفي تصريحات سابقة للوزير الدكتور صالح الخرابشة، أكد أن سياسة تنويع مصادر التزود بالغاز الطبيعي واتفاقيات تزويد الغاز الطبيعي طويلة الأمد، شكلت حماية لشركة الكهرباء الوطنية من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال عالمياً.
ويرى مدير عام شركة الكهرباء الوطنية الأسبق المهندس عبدالفتاح الدرادكة، أن ما تهدف إليه استراتيجية الطاقة من تنوع في مصادر الطاقة وتوليد الكهرباء متحقق حاليا ولا تخوف من العودة إلى ما قبل انقطاع الغاز المصري، لتنوع الخيارات من حيث وجود غاز الأنابيب الطبيعي والمسال والصخر الزيتي ومصادر الطاقة المتجددة.
وأكد ضرورة الإسراع في بناء محطات تخزين طاقة هيدروليكية على بعض السدود ومنها، سد الموجب وسد الملك طلال، وفكرة تخزين الطاقة الهيدروليكية تقوم على ضخ المياه من السد إلى بحيرة اصطناعية أو خزان مياه في الأعلى باستغلال الطاقات المتجددة الفائضة وإعادة إنزالها في أوقات أخرى وحسب الطلب، على زعانف مولدات هيدروليكية لتوليد الكهرباء في أوقات يكون النظام الكهربائي بحاجة لها.
وبين أن أهمية هذا المشروع تتمثل بتمكين النظام الكهربائي من الاستغلال الأمثل للطاقات المتجددة ولهذا الموضوع من الأهمية بمكان، لأنه يوفر طاقة قليلة التكلفة ويقلل من الاعتماد على مصادر وقود التوليد المستوردة.
ويتفق مع الدرادكة خبير الطاقة هاشم عقل، إذ يؤكد عدم وجود أي تخوف من نقص إمدادات الطاقة بمختلف أنواعها، موضحا ان الطاقة المتجددة تسهم بنسبة 30بالمئة من الحاجة الكلية للكهرباء، ومشروع العطارات بنسبة 15بالمئة، فضلا عن مشروع الشيخ زايد بن نهيان في القويرة للطاقة الشمسية الممول من دولة الإمارات العربية المتحدة، بمنحة قيمتها 150 مليون دولار أميريكي عبر صندوق أبو ظبي للتنمية باستطاعة 103 ميجاواط.
ويؤكد عقل، أن الأردن تقدم خطوة عملاقة على طريق إنهاء استيراد الطاقة، عبر تدشين محطة “بينونة” للطاقة الشمسية والتي تعد أكبر مشروع من نوعه في المملكة، وهذا ما يؤكد توجه الأردن إلى الطاقة المتجددة.
وتتجلى أهمية محطة “بينونة” للطاقة الشمسية والكهروضوئيَّة التي دشنت في منطقة الموقَّر شرقي العاصمة عمَّان، بقدرة إنتاجية تبلغ 200 ميغاواط، ما يعني إنتاج طاقة نظيفة بتكلفة قليلة، إضافة إلى المحافظة على البيئة وصحة المجتمع بتخفيف انبعاثات الكربون.
وقال إن الاستثمارات الإماراتية في مجال الطاقة بالأردن، توفر ما لا يقل عن 300 ميغاواط بكلفة منخفضة، منها 200 ميغاواط تم تدشينها رسميا في محطة بينونة، ما ينعكس على كلفة خليط التعرفة الكهربائية.
وأضاف أن شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، أبرمت مذكرة تفاهم مع وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، لاستكشاف فرص تطوير مشاريع طاقة متجددة بقدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 2 جيجاواط, وهذه مجتمعة توفر 45-50بالمئةمن الاستهلاك الكهربائي، علما بان الاستطاعة الكهربائية الأردنية تصل إلى 6500 ميغا، وهي أكثر من الحاجة الاستهلاكية.
ويطالب أمين عام الهيئة العربية للطاقة المتجددة المهندس محمد الطعاني، بكسر الاحتكار والسماح للقطاع الخاص بالمنافسة بتوفير وتخزين مصادر الطاقة التقليدية وتحرير أسعار الطاقة.
ويرى أن تعديل قانون الطاقة المتجددة يتيح لجميع القطاعات الصناعية والاقتصادية والزراعية بالاعتماد أكثر على الطاقة المتجددة، وأن نضع شروطا ومعايير جديده متطورة لحرية توليد كل مؤسسة أو مصنع أو جامعة وغيرها استهلاكه من الطاقة المتجددة.
ويؤكد الطعاني، أن الأردن يسعى ليكون بوابة للاستثمار في الدول العربية والشرق الأوسط في مجال الطاقة المتجددة، لما يتميز به من خصائص استثمارية، وطبيعة المنطقة والتسهيلات والاستقرار واتزان السياسة الأردنية على مدى أكثر من قرن من الزمان.
وبهذا الصدد وقعت الوزارة مذكرة تفاهم مع شركة مصدر الإماراتية في شهر تشرين الثاني 2022، لتطوير مشاريع طاقة متجددة باستطاعة إجمالية بلغت 2 جيجاواط، كما وقعت الوزارة 3 مذكرات تفاهم لدراسة إنتاج الهيدروجين الأخضر/الأمونيا والميثانول الأخضر في المملكة، وبدء العمل على تخزين الطاقة الكهربائية بالطاقة المائية من السدود.
وبحسب التقرير السنوي لوزارة الطاقة، فقد حقق الأردن المرتبة الأولى في نسبة الاستطاعة المركبة لمصادر الطاقة المتجددة، بدون احتساب الطاقة الهيدرومائية، واحتل الأردن هذه المرتبة وفقاً لتقرير المؤشر العربي لطاقة المستقبل AFEX للعام الماضي، والذي يعده المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (RCREEE).
وأشار إلى أنه تم توليد الطاقة الكهربائية في المملكة باستخدام الغاز الطبيعي بنسبة 68 بالمئة، الطاقة المتجددة 27 بالمئة، و5 بالمئة من الصخر الزيتي، مقارنة بنسبة 73 بالمئة للغاز الطبيعي و 26 بالمئة للطاقة المتجددة للعام2021.
وبلغت الاستطاعة الكلية المركبة لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة حوالي 2577 ميجاواط، وتشمل 1498 ميجاواط من مشاريع يتم بيع الطاقة الكهربائية المولدة منها إلى شركات الكهرباء (614 ميجاواط طاقة رياح، 884 ميجاواط طاقة شمسية)، و1079 ميجاواط من مشاريع أنظمة الطاقة المتجددة المملوكة من قبل المشتركين لتغطية استهلاكاتهم باستخدام عدادات صافي القياس والنقل بالعبور (696 صافي قياس، 383 عبور) يضاف إلى ذلك الحرق المباشر للصخر الزيتي باستطاعة 470 ميجاواط من قبل شركة العطارات للطاقة.
وفيما يخص الغاز الطبيعي ،أكدت وزارة الطاقة والثروة المعدنية، أن استراتيجيتها الشاملة لقطاع الطاقة للأعوام 2020-2030، تضمنت تنويع مصادر الطاقة من خلال الاستمرار في تغطية احتياجات المملكة من الغاز الطبيعي من المصادر المتاحة حالياً والتي تغطي احتياجات المملكة لغاية عام 2030، وهي (الغاز المصري، الغاز المورد من البحر الأبيض المتوسط، الغاز الطبيعي المسال، حقل الريشة الغازي).
وبخصوص العمل على تطوير حقل الريشة الغازي، فإن الخطة الاستراتيجية لشركة البترول الوطنية للأعوام (2020-2030) تهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية الحالية من حقل الريشة الغازي وصولاً إلى (200) مليون قدم مكعب في نهاية عام 2030، حيث تتراوح القدرة الإنتاجية الحالية من حقل الريشة حوالي 32 مليون قدم مكعب يوميا، وتعمل شركة البترول الوطنية حالياً، بالبحث عن بدائل تسويق الغاز لاستغلال القدرات الإنتاجية الحالية والتي أصبحت تتجاوز الكميات المباعة لغايات توليد الكهرباء والبالغة تقريباً 17 مليون قدم مكعب يوميا.
وبهدف استغلال الكميات الإضافية المنتجة من حقل الريشة الغازي، تم فتح المجال للمستثمرين من القطاع الخاص لنقل الغاز بالصهاريج من منطقة الريشة إلى مراكز الاستهلاكبعد ضغطه أو إسالته لتزويد المستهلكين في وسط وشمال المملكة بالغاز الطبيعي، ما يساهم في زيادة الاعتماد على المصادر المحلية والتوسع في فرص العمل وتقليل الكلف التشغيلية على الصناعات.
كما يتم إيلاء الأهمية لاستخدام الغاز الطبيعي المضغوط في القطاع الصناعي من خلال حقل الريشة الغازي، اذ تم إعداد دراسة من خلال التعاقد مع شركة استشارية محلية لأنشطة جديدة في المملكة وهي أنشطة الغاز الطبيعي المضغوط (CNG) والغاز الطبيعي المسال (LNG)، وذلك بهدف الاستفادة من إنتاج حقل الريشة من الغاز الطبيعي، حيث تقوم وزارة الطاقة والثروة المعدنية من خلال لجنة تسعير المشتقات البترولية بتحديد سعر بيع الغاز الطبيعي المضغوط والمسال للمستهلك النهائي والإعلان عنه شهرياً.
ويعد مشروع أنبوب الغاز الطبيعي من العقبة إلى شمال المملكة (المرحلة الثانية لخط الغاز العربي) من أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تدعم وتعزز العمل العربي المشترك ويؤسس لعلاقات اقتصادية أكثر قوة ومتانة بين الدول العربية والدول الأخرى، وتم البدء بتزويد الغاز لمحطتي توليد الكهرباء السمرا ورحاب في شمال المملكة في عام 2006، وتم تنفيذ الوصلة من رحاب ولغاية الحدود الأردنية السورية في عام 2008.
وأوضحت الوزارة أن في عام 2015، تم الانتهاء من تنفيذ مشروع استيراد الغاز الطبيعي المسال بواسطة البواخر عبر ميناء الشيخ صباح في العقبة، بهدف توفير مصدر جديد للتزود بالغاز الطبيعي وتنويع مصادره، ما يعزز درجة التزود الآمن بالغاز الطبيعي من حيث، تأمين مصدر جديد وإضافي للغاز الطبيعي بدلاً من الاعتماد على مصدر وحيد، تلبية الطلب على الغاز في السوق الأردني خاصة في محطات توليد الكهرباء، بالإضافة الى تعويض أي انخفاض أو انقطاع في توريد الغاز الطبيعي من مصر.
وتقوم الوزارة حالياً على تطوير مشروع ميناء الغاز الطبيعي المسال ميناء الشيخ صباح في العقبة، من خلال إنشاء وحدة تغييز شاطئية وملحقاتها(ORU)، حيث سيتم بناءها بقدرة 400 – 700 مليون قدم مكعب يومياً، واستبدال وحدة التخزين والتغييز العائمة الحالية (FSRU) بوحدة تخزين عائمة (FSU)، لتخفيض الكلف التشغيلية للميناء الحالي وتعزيز منظومة أمن الطاقة ومصادر التزود بالغاز الطبيعي.
وأشارت الوزارة إلى أنها تتبنى برنامجا وطنيا لدعم إيصال الغاز الطبيعي للمدن والتجمعات الصناعية، وذلك لتوسيع قاعدة استخدام الغاز الطبيعي في جميع القطاعات، خاصة القطاع الصناعي وتشجيع الصناعات لاستخدام الغاز وتغطية كلفة إيصاله لها والذي سيؤدي إلى تخفيض كلف الطاقة اللازمة للإنتاج، ما ينعكس إيجابياً على الاقتصاد العام في المملكة، اذ تقوم الوزارة حالياً بالسير في إجراءات تنفيذ مشروعي تزويد مدينة الموقر الصناعية والروضة الصناعية في مدينة معان التنموية بالغاز الطبيعي، كما أنها بصدد إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية لتزويد المنطقة التنموية في المفرق بالغاز الطبيعي.
وبلغ معدل كميات الغاز الطبيعي المستهلكة في محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة في المملكة حوالي 344 مليون قدم مكعب يوميا، ساهمت بنسبة 68 بالمئة في توليد الطاقة الكهربائية بمحطات توليد الكهرباء.
ويشير تقرير حالة البلاد 2020، الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى ضرورة إيجاد البنية التحتية اللازمة لتحول الأردن إلى مركز إقليمي لتبادل الطاقة وإيجاد مشاريع محددة بخصوصها، وعقد اتفاقيات تزويد طويلة الأمد للاستيراد أو للتصدير.
وقال التقرير، إن الاتفاقيات طويلة الأمد للنفط الخام والغاز الطبيعي حاسمة في مسألتي أمن التزود بالنفط ومشتقاته، مشيرا إلى تواضع التوسع في استثمار الثروة المعدنية.
بدوره ،أكد منتدى الاستراتيجيات الأردني ضرورة تنويع مصادر الطاقة لخفض احتمالية التعرض للصدمات الاقتصادية، جاء ذلك في ورقة سياسات بعنوان “مورد الغاز الطبيعي في الأردن: الفرص المتاحة ضمن مسار رؤية التحديث الاقتصادي”.
وبحسب المنتدى، “يعتبر الغاز الطبيعي أحد مصادر الطاقة غير المتجددة وأقلها تلويثًا للبيئة، وتأتي أهميته الاقتصادية من تعدد استخداماته في مختلف المجالات، فهو يدخل كمادة وسيطة في الصناعات الإنتاجية، والاستخدام المنزلي، والتجاري، وفي توليد الطاقة الكهربائية أيضاً”.