عروبة الإخباري –
شهدت أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون اليهود، في الضفة الغربية الفلسطينية ارتفاعاً حاداً منذ السابع من أكتوبر الماضي. وقتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في المجمل ما لا يقل عن 155 فلسطينياً في المنطقة التي تشكّل قلب الدولة الفلسطينية المحتملة، منذ هجوم «حماس». وهذا العدد هو جزء صغير من عدد القتلى جراء القصف الإسرائيلي على غزة في الفترة نفسها، لكنه يرتفع بسرعة خطرة، والضفة الغربية المحتلة تقترب من الغليان.
كان العام الماضي هو العام الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 20 عاماً. وأصبحت جماعات المستوطنين أكثر جرأة، بينما كثف الجيش غاراته على البلدات والمدن الفلسطينية، لكن منذ السابع من أكتوبر ساءت الأمور بشكل كبير. وبالمعدل الراهن، فإن الأسابيع الأربعة التي تلت هجوم «حماس» ستكون أكثر فتكاً بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية، مقارنة بالعام الماضي بأكمله.
وعلى وجه الخصوص، أثارت الحرب في غزة بعض الجماعات الأكثر عنفاً من مستوطني الضفة الغربية. ويسعى البعض إلى الانتقام من هجوم «حماس». ويستغل آخرون الوضع ببساطة للهجوم، بينما يكون الجيش الإسرائيلي منشغلاً في أماكن أخرى في غزة، وعلى الجبهة الشمالية مع لبنان. ونتيجة لذلك، يشعر الفلسطينيون في الضفة الغربية بأنهم أكثر عرضة للخطر من المعتاد.
وفي قرية قُصرة الواقعة جنوب شرق مدينة نابلس، قُتل أربعة فلسطينيين على يد مستوطنين في 11 أكتوبر. وفي اليوم التالي، أثناء تشييع جثامينهم، قُتل اثنان آخران برصاص المستوطنين، بحسب رئيس بلدية القرية، هاني عودة. وقال عودة: «أكد لنا (الجيش) عبر الهاتف أن الطريق الجديد آمن»، متابعاً: «لكنهم نصبوا لنا فخاً، وواجهنا عدداً كبيراً من المستوطنين الذين هاجمونا بالحجارة والرصاص». واتهم رئيس البلدية الجنود الإسرائيليين بـ«حماية المستوطنين».
ما تغير في الأسابيع القليلة الماضية هو أن عناصر الجيش وهؤلاء المستوطنين العازمين على العنف، قد تعاونوا في ما يبدو، وفقاً لجوناتان كانونيتش، من منظمة «ييش دين»، وهي منظمة إسرائيلية تراقب المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. ويوضح قائلاً: «يرتدي الناس أحياناً سراويل أو قمصاناً عسكرية، ولديهم أسلحة»، موضحاً: «أنت لا تفهم ما إذا كان أحدهم مستوطناً أم جندياً، ولا يمكنك تحديد ذلك حقاً». ويقول: «الأمر نفسه الآن. إذا كان الجنود قد وقفوا مكتوفي الأيدي من قبل، ولم يفعلوا أي شيء، فهم الآن ينضمون إلى المستوطنين في هجماتهم».
ويعيش نحو 500 ألف إسرائيلي في المستوطنات (باستثناء القدس الشرقية) في الضفة الغربية التي تعتبرها الأمم المتحدة والحكومات الأجنبية – بما في ذلك الولايات المتحدة – غير قانونية. وكثيراً ما يُستشهد بها على أنها عقبة في محادثات السلام، وتُقوّض بشكل واضح، سلامة أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. وتزايد بناء المستوطنات بشكل مطرد منذ اتفاقات السلام الإسرائيلية الفلسطينية الموقّعة في أوسلو عام 1993.
ومنذ السابع من أكتوبر، حث الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على كبح جماح المستوطنين، لكن دون جدوى. ويبدو أن المستوطنين اليمينيين المتطرفين الذين يشغلون مناصب رئيسة في حكومة نتنياهو لا يرغبون في تهدئة الأمور. وابتسم وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وهو يوزع بنادق على المواطنين الإسرائيليين لحماية «المستوطنات والمدن».
وأسعدت حكومة نتنياهو الحالية المستوطنين من خلال تخصيص مبالغ كبيرة لطرق المستوطنين (التي يُمنع الفلسطينيون من عبورها بشكل عام)، ومن خلال منح المستوطن القومي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش الذي يشغل منصب وزير المالية، سلطة إضافية في ما يتعلق بأنظمة التخطيط في الضفة الغربية، وذلك على الرغم من أن الكلمة الأخيرة في هذا الشأن ماتزال عند نتنياهو ووزير دفاعه.
وعلى الأرض، نادراً ما تتم معاقبة المستوطنين بسبب الشروع في أعمال العنف. وفي يونيو، اجتاحوا بلدة ترمسعيا الفلسطينية، وأضرموا النار في المنازل والسيارات. ووصف أحد الضباط الإسرائيليين هجمات المستوطنين بأنها «إرهاب قومي»، ولكن لم تتبع ذلك عواقب وخيمة. وبعد أن تم تصنيف المستوطنين العنيفين على أنهم «عملاء مارقون»، أصبح لديهم الآن تمثيل في الحكومة الائتلافية الإسرائيلية.
ولسنوات عدة، ظل بعض المسؤولين الفلسطينيين والمراقبين الأجانب يحذرون من انتفاضة ثالثة، ويخشون الآن من احتمال اندلاعها. ويقول رئيس الأمن الفلسطيني السابق، توفيق الطيراوي الذي يتمتع بعلاقات قوية مع مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، والذي اختلف مع الرئيس محمود عباس: «لقد انفجرت بالفعل». ويضيف: «الناس ممتلئون بالغضب والروح الثورية».
وحتى الآن اقتصرت الاضطرابات بشكل رئيس على الاحتجاجات في المدن الفلسطينية. وقد قامت قوات الأمن الإسرائيلية، بمساعدة السلطات الفلسطينية في بعض الأحيان، باعتقال الآلاف من أجل السيطرة على الأمور. وتُقيد نقاط التفتيش الإسرائيلية – بشكل حاد – حركة الفلسطينيين.
ويقول بعض الناشطين الفلسطينيين، إن الحكومة الإسرائيلية، بمساعدة المستوطنين، تريد إخلاء الضفة الغربية من الفلسطينيين. ويزعمون أنه قرب مدينة الخليل، تم تقليص 13 قرية فلسطينية نتيجة للتهديدات بعنف المستوطنين. ويقول شعوان جبارين، وهو ناشط مخضرم في مجال حقوق الإنسان، في رام الله، المقر الإداري للفلسطينيين: «من الواضح أنهم يخططون وينظمون. الأمر يتعلق بميليشيات منظمة». ويقول إن العديد من الفلسطينيين يعتبرون العنف جزءاً من خطة لطردهم في نهاية المطاف من الضفة الغربية تماماً. وفي ذلك يقول كانونيتش، من منظمة المراقبة إسرائيلية: «الأمر يتعلق بالانتقام».
وعندما انطلقت «حماس» من غزة لمهاجمة المجتمعات الإسرائيلية عبر الحدود في السابع من أكتوبر، كان معظم الجنود الإسرائيليين المتمركزين في الضفة الغربية من الجنود النظاميين أو المجندين. ولكن في الأيام القليلة التالية، ومع استدعاء نحو 360 ألف جندي احتياطي، تم نشر معظم القوات النظامية، إما للمشاركة في هجوم بري على غزة، أو على الحدود الشمالية مع لبنان، في حال اندلاع حرب مع ميليشيات «حزب الله». والعديد من جنود الاحتياط الإسرائيليين وعدد من كبار القادة، لديهم عداء شديد للمستوطنين ويريدون كبح جماحهم، لكنهم يخشون من أن المجموعات الأخرى من جنود الاحتياط الذين تُركوا في الضفة الغربية، قد تكون غير قادرة أو غير راغبة في القيام بذلك. ونادراً ما قام الجيش الإسرائيلي وشرطة الحدود، باعتقال المستوطنين بتهمة العنف، على الرغم من وضع أحد زعمائهم رهن الاعتقال الإداري دون توجيه اتهامات رسمية.
والسلطة الفلسطينية التي من المفترض أن تدير أجزاء من الضفة الغربية، عاجزة إلى حد كبير عن حماية المدنيين الفلسطينيين. ويعارض كبار مسؤوليها بشدة، احتمال اندلاع انتفاضة أخرى، خشية أن يمنح ذلك «حماس» الفرصة لتصبح القوة الفلسطينية المهيمنة في الضفة الغربية. وعلى أي حال، فإن كثيراً من أعمال العنف تحدث في مناطق لا تتمتع فيها قوات الأمن الفلسطينية بحرية الحركة أو الولاية القضائية. ويعتقد الفلسطينيون أنه من غير المعقول أن يقوموا باعتقال مستوطن أو مواجهته مباشرة.
ويقول مسؤول أمني فلسطيني مخضرم، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنه يخشى أن تؤدي حادثة واحدة إلى إشعال انتفاضة. ويقول: «أشم رائحة الدم في الضفة الغربية»، مضيفاً: «لا أعرف أين سيكون لكنه قادم. المستوطنون سيفعلون شيئاً فظيعاً».