عروبة الإخباري –
الفنانة الأردنية روان العدوان وجهٌ فني مشرق لدى العالم الأجنبي، وقد انتهت حديثًا من معرضها (سلالات من الماضي) بجنيف، وسط حضور فني وإعلامي لافت. وتشتغل الفنانة العدوان على النقوش الصفائية في البادية الأردنية في لوحاتها التي تقدمها بكل ثقة إلى الآخر لتغيير الصورة النمطية، وتأكيد حضارتنا العربية وأصالتنا البدوية عبر العصور. ويبرز (الجمل) هذا الحيوان الصحراوي العربي في أعمالها برؤى فنية تنطلق فيها العدوان من الشغف الفني، وهي خريجة فنون ومهتمة جدًّا بتوظيف مفردات التراث الأردني ورسومات النقوش الصفائية في البادي? الشمالية. وهي مقيمة حاليًّا في سويسرا بعد تطوافها الفني في أكثر من بلد.
حدثينا عن بدايتك ودراستك؟
منذ الصغر كنت ميالة لكافة أنواع الفنون، وميلي للفنون تكلل بدراستها، حيث أنني خريجة جامعة اليرموك قسم الفنون الجميلة منذ عام ١٩٩٥، أعمالي الأولى كانت عبارة عن معارض أعمال خزفية مستوحاة من التراث والبيئه الأردنية، حيث وظفت مفردات التراث الأردني ورسومات النقوش الصفائية في معظم أعمالي الخزفية. أقمت العديد من المعارض الشخصية في الأردن وخارجه، وأنشأت محترفي الخاص بي لعرض أعمالي الخزفية الحرفية بالإضافة إلى الفن، لأن الاعتماد على الفن فقط كمصدر دخل لا يكفي الفنان، ولا يدر ربحًا. قمت بعرض أعمالي في غاليري ١٣ بالإض?فة لعرض أعمال فنانين آخرين، بعد عام ٢٠٠٠ اتجهت تدريجيًّا إلى الرسم على سطح القماش، حيث وجدت أنني أعبّر عما يجول بداخلي بسلاسة، باللون أكثر من الطين الذي يحتاج إلى عدة مراحل من الحرق ومن ثم التزجيج للوصول إلى النتيجة المطلوبة، انتقلت للعيش في العاصمة البريطانيه لندن ما بين عامي 2012 و 2019. في لندن اطلعت على تاريخ الفن الأوروبي وعلى أعمال الفنانين المعروضة في المتاحف على مدى سنوات، ومن ثم أكملت دورة في رسم الوجوه من كلية ريتشموند بلندن، بالإضافة إلى عدة دورات خصوصية في مجال تاريخ الفن والفن والتصميم من?قبل مختصة وهي خريجة Chelsea college of Art مقيمة حاليًّا في جنيف سويسرا منذ عام 2019.
عملت في صندوق الملكة علياء للتنمية الاجتماعية، وفي رئاسة الوزراء، والمتحف الوطني الأردني، وعملت على التحضير لمتحف الحياة البرلمانيه في الأردن. وأنا متفرغه للفن منذ عام 2012.
ما المصادر التي تستوحين منها أعمالك الفنية؟
إن الطبيعة ملهمة الفنان الأولى، وكل فنان يختلف بطبيعته عن الآخر، حسب البيئة التي عاش فيها، والمؤثرات التي يتعرض لها الفنان سواء السياسيه، أو الاقتصاديه، أو الاجتماعيه، وتعدد الثقافات ومؤثرات تكنولوجيا العصر،..وكلها مصادر إلهام للفنان، وكذلك العادات والتقاليد ومعتقدات الفنان أيضًا كلها مصادر إلهام وكلٌّ يختار حسب ميوله وذائقته الفنية.
ومن الفنانين من اتجه إلى المدرسه التكعيبة، الانطباعية، أو السريالية، أو مدرسة الفن الساذج، أو فن رسومات الشوارع، الكولاج والفنون الرقمية حاليًّا، وفنون الهولوغرام، وكلٌّ يختار حسب ميوله وفكره وثقافته ومنهم من ينشئ أسلوبه الخاص به، فالفن عملية صعبة، حيث لا بد من الإتيان برؤية فنية جديدة.
والأردن غني بتاريخه وحضارته التي تعود إلى أكثر من ٧٥٠٠ قبل الميلاد، من تماثيل عين غزال إلى فن النقوش الصفائية، والتي قال عنها فيليب حتي إنها فن حديث سابق لعصره من ناحية التكوين وتشكيل الخطوط. لذلك فإنّ غنى الأردن الثقافي والحضاري هو مصدر إلهامي، حيث إن الفن الصفائي والذي يعود بتاريخه إلى ألف سنه قبل الميلاد قد ألهمني، ولذلك فقد قمت بدراسته واستكشاف الرسومات على الصخور البازلتية في البادية الشمالية الأردنية التي تم إنشاؤها في العصور السابقة، حيث قمت بدراسة الأساليب والتقنيات المستخدمة في هذا الفن الأصيل، ول?د أعجبتني الرسالة والمعاني التي تركها أجدادنا العرب لنا، فهم قبائل عربية عرفت الكتابه والقراءة، وعرفت الشعوب المتحضرة من خلال ذلك.
إن المثقف يحاول فهم الرسالة والمعاني التي تحملها تلك الأعمال، وبالإضافه إلى الموهبة، فإن الدراسة والاستكشاف، والاطلاع على الثقافات الأخرى والمثابرة عناصر مهمة لإبداع أعمال فنية جديدة. لقد قمت بتطبيق بعض أساليب وتقنيات الفن القديم في أعمالي وذلك من خلال توظيف الرموز والكتابات الصفائية في بيئات مختلفة لإيصال رسالة جديدة لا يعرفها الغرب، وأيضًا لتعزيز روح الانتماء والافتخار بهويتنا العربيه لدى الأردنيين والعرب.
إن ما قمت به هو إعادة تفسير للكتابات والرسومات بطريقة معاصرة، وذلك من خلال تصوير أحداث تاريخية عاشها العرب في بيئتهم ومحيطها، حيث صورت الكائنات في أعمالي الفنية، وخصوصًا رسوم الجِمال كأنها كائنات أسطورية، هذا الحيوان الوفي(الجمل) رفيق الإنسان العربي في الصحراء، من أكثر الحيوانات عطاءً للإنسان.
إنّ الفنان المتطلع والمثقف لديه قدرة على تطويع الأشياء من حوله، بالإضافه إلى تأثري بالنقوش الصفائية، فإن البيئة المحيطة بي في بريطانيا وسويسرا أثرت في أعمالي، فحوار الثقافات الذي كنت أتوق إليه أوجدته في أعمالي.
كيف أثر الفن الصفائي على أعمالك؟
الفنان المثقف الواعي له قدرة على تطويع المواضيع، سواء كانت الطبيعه من حوله، الأحداث التاريخيه والسياسية، والاقتصادية، وتاريخ الفن وغيرها من المواضيع، لكنّ الفنان الحقيقي هو الذي يأتي برؤية جديدة تكون غايتها جمالية وفكرية ومؤثرة. أحببت الفن الصفائي ووظفت عناصره في أعمالي بعدة طرق، حيث إن موضوعه الغني ألهمني، كما أنه أعطاني فكرةً عن التقنيات والأساليب التي استخدمها الإنسان العربي في الماضي، والتي وظفت بعضًا من هذه الأساليب في أعمالي الفنية الحديثة، مثلا نقش العرب كتاباتهم ورسوماتهم على هذه الصخور واستخدمت?هذه التقنية على سطح القماش، لكن بتكوين مختلف وأسلوب معاصر.
كما أعجبتني أشكال الرسوم التجريدية السابقه لعصرها في الفن الصفائي والتي تتميز بطابع الرمزية التعبيرية، حيث حملت رموزًا ذات معان ودلالات، وعبّرت عن قصص وقيم ثقافية وعن طبيعة حياة العرب آنذاك والتغيرات التي حدثت للمنطقة مع الزمن، بالإضافة إلى جماليات النقوش من ناحية الشكل والتكوين، ما جذبني أيضًا أن موضوع النقوش الصفائية من ناحية ثقافية وتاريخية غني جدًّا، حيث استطعت من خلال مواضيع النقوش سرد قصص من حياة العرب الذين أوجدوا هذه النقوش بطابع عصري.
كما أنّ روحانية هذا الفن القديم زاد من تقديري للتراث الثقافي والتاريخ الفني، وساعدني على فهم السياق التاريخي والاجتماعي للأعمال الفنية وكيف تأثرت بالعصور والحضارات المختلفة. هذه العوامل ساعدتني في تطوير رؤية فنية شاملة وفهم أعمق للعمل الفني.
ما هي التقنيات الفنية التي تستخدمينها في أعمالك؟
في البدايات استخدمت مادة الطين الماده الأساسيه لصنع الفخار والفخار المزجج، لإنتاج أعمالي الخزفية، وفيما بعد قمت برسم هذه الأعمال من خلال برنامج بسيط على الكمبيوتر واسمه تلوين، وذلك عند مشاهدتي لكتاب عن النقوش الصفائية للمرحوم الدكتور فواز الخريشة أثناء عملي على مشروع متحف الأردن عام ٢٠٠٣، أعجبتني الفكرة، ومن ثم اتجهت للرسم والتلوين على سطح القماش، حيث أنني أستخدم ألوان الإكريلك، الأحبار، وأدمج بين التقنيات التقليدية والحديثة لإنشاء أعمال فنية معاصرة، فالتضاد ما بين الألوان المعتقة والألوان الخام أغنى الل?حة وأعطاها طابعها الخاص، وتتميز أعمالي بالملمس الخشن والذي أحاكي فيه ملمس الصخور والبيئة المحيطة، وخبرتي كخزافة ساعدتني بالتحكم بملمس اللوحة.
أستخدم التقنية الزخرفية في أعمالي وذلك من خلال تفريغ الزخارف من على سطح البلاستك المقوى ومن ثم إعادة طباعته على سطح القماش، كما أضيف بعض الأحيان أنماطًا هندسية، هذا التنوع في استخدام المواد يعطي غنى وحيوية للوحة، لكنّ المهم هو إنتاج عمل جميل، تتوافر فيه العناصر الجمالية.
كما أنني وجدت في نفسي حبًّا للكتابة والاسترسال بها، إن الكتابة تتطلب مهارات تحليل واطلاع وتخيل وهارمونية، كالذي ينشئ لوحة، كما أنّ الكتابة عن أعمالي تساعدني في تخيل مشهد جديد للوحة، والكتابة تعمل على عملية تحفيز العصف الذهني وهي ضرورية. مقالات قليلة نشرتها لي صحيفة الجوردان تايمز، وفي كل مره أقوم بتوزيعها على الأندية التي أنا عضو فيها، وذلك لغايات نشر فكرنا وثقافتنا وأيضا للاطلاع على هذه الصحيفة الأردنيه في الخارج.
هذه هي بعض التقنيات والأفكار التي أستخدمها لتجسيد روح الفن الصفائي في أعمالي الفنية. وتعتمد الاختيارات على الرؤية الفنية والموضوع والأسلوب الذي أعمل به.
هل لديك فترة زمنية أو حضارة محددة تفضلين العمل عليها في أعمالك المستوحاة من الفن القديم؟
فن الصخور أو فن الكهوف يُعدّ من أقدم أشكال الفن في التاريخ، حيث يعود تاريخه إلى ٤٥٠٠٠سنه قبل الميلاد، حيث وجدت أقدم الرسوم في كهف في أندونيسيا. ويتميز هذا الفن بتجسيد الرسومات سواء في أشكال لرسوم آدميه أو لحيوانات وزخارف على الجدران الصخرية أو داخل الكهوف، ويعكس حياة الإنسان القديم وثقافته ومعتقداته. وفن الصخور الصفائية يعد فنًّا من أنواع فن الصخور، وما يميزه عن فن الكهوف هو عمره التاريخي، حيث أنّ فن الكهوف أقدم بكثير من فن الصخور الصفائية، كما أنّ فن الكهوف لا يحتوي على كتابات وإنما رموز ورسومات بالإضافه ?لى أن رسومات الكهوف رسمت بمواد،كالفحم، ودماء الحيوانات، وأكاسيد الحديد، وغيرها، أما الكتابات والرسومات الصفائية فقد نقشت على سطح الصخور.
وبالنسبه لي ما ألهمني هو فن النقوش الصفائية، وخصوصًا الكتابات العربية القديمة، وتعمدت التطرق لها في الغرب، حيث أنني وجدت من خلال هذه النقوش أنّ الشعب الذي أوجدها هو شعب متحضر عرف القراءه والكتابة، والموسيقى، إنها قبائل عربية أحبت الحياة وعاشت بتناغم وروحانية مع البيئة المحيطة. وبما أن الفنان دائمًا في عملية بحث مستمر، فإنّ هذا الفن قد أعجبني، حيث كنت من أوائل الفنانين الذين تطرقوا لموضوع النقوش الصفائية من ناحية جمالية ووظفته في أعمالي سواء الخزفية، وفي الديجتال آرت والرسم على سطح القماش، وأنتجت كمًّا م? هذه الأعمال على مدار أكثر من عشرين سنة، بالإضافة إلى نشره من خلال المعارض الفنية المختلفة والمقالات ومحطات التلفزة، حيث تم تغطيتها من قبل وسائل إعلام عالمية معروفة كمحطة اليورو نيوز، قناة الجزيرة، Tribune de Genève، بالإضافه إلى الصحف المحلية الأردنيه ومحطات التلفزيون الأردني.
ما العوامل التي تساعد على نجاح وتميز الفنان؟
على الفنان أن يستمر بالرسم وإنتاج الأعمال، حتى يتميز بأسلوب معين، إن إنتاج عمل أو عملين في الحياة لا يضفي سمة فنان، والرسم يختلف عن الفن، والنقل الحرفي للموضوع ليس بفن وإنما حرفة بحتة. والفنان دائمًا في عملية بحث مستمر، لأنّ القدرة على إنتاج فن قديم بمفهوم العصر ليس بعملية سهلة، حيث أن عملية ربط العصور المختلفة وتوحيده بالفن تحتاج إلى دراسه وبحث وعمل وفهم لعناصر الجمال والتصميم في إنتاج العمل الفني، وصدق التعبير، وليس كل من تعلم ودرس الفن أصبح فنانًا، فالفن ينبع من شعور وإحساس داخلي لدى الإنسان، كالذي يتع?م ويدرس الغناء، لكن صوته غير جميل، هل يصبح مغنيًا؟
كما أنّ الفنان لا يمكن أن يكون له أسلوب فني من خلال أعمال قليلة، التميز والأسلوب يحتاج إلى عملية بحث واستمرارية، وعلى مدى سنوات طويلة،كما أنّ تميز الفنان يعتمد على ثقافة المجتمع وظهور عناصر جديدة تؤثر على عملية التذوق الفني، وقد يختلف العمل المتميز من ثقافه إلى أخرى ومن جيل لآخر. إن الموهبة، الشغف، التعلم، الخبرة والاستمرارية في الإنتاج والاطلاع على الثقافات الأخرى والعيش في بيئات مختلفة كلها عوامل مساعدة، لكنّ الفنان ينتج أعمالًا فنية ناتجة عن رؤيته وثقافته وقناعاته، حيث الجمهور لا يملي على الفنان ما يرس?.
كيف تعرضين أعمالك، وما هي الصعوبات التي تواجهينها في العرض؟
أؤمن بأن النجاح لا يأتي من مناطق الراحه، فأنا أعمل بجد، ونمرّ بأوقات نشعر بها بالإحباط، لكنّ كل المعوقات التي واجهتها زادتني إرادة وعزيمة، كما أنّ إيمان الإنسان بنفسه يجعله ينهض من جديد.