عروبة الاخباري- كتب سلطان الحطاب
عندما تزداد الخبرة وتتوسع وتتعمق في حاضنة من الاخلاص للوطن والقيادة والناس فإنها لابد ان تعبر عن نفسها، وإلا كان صاحبها شيطان اخرس لا يقدم بما أتاه الله عليه من معرفة..
بلدنا بحاجة الى خبرة خبراء ابنائه وان يجهروا بمواقفهم وان يعلنوا عن افكارهم في اطارات وطنية واعية، لا يستنكفوا خشية نقد او لوم او حرج… عرفت الكثير ممن يرغبون ان يساهموا وان يقولوا وان يفعلوا، وهم لم يقصروا بل انهم يستمرون في مسيرتهم ومهنيتهم..
وحتى يكون لما اقول معنى، ولا يذهب الى تصنيف التعويم والاحالة على المجهول فإنني سأتوقف عند اسماء استمعت اليها باصغاء شديد.. وكانت رؤيتها في جوانب عديدة بلسما لكثير من الامراض والاخطاء والارتجال وسوء التقدير.. وادركت اننا بحاجة ماسة لشيوع مثل هذه الافكار وممارستها..
كنت التقيت واحداً من هؤلاء الرجال الذين لم تتوقف افكارهم عن التوليد ولم يستنكفوا ان يقدموا رؤيتهم الايجابية المنجية والمجزية، جلست مع الدكتور محمد ذنيبات رئيس مجلس ادارة شركة الفوسفات والذي اختبرناه في وزارة التربية والتعليم حين كان وزيرها يعيد اليها بعض الألق وينتزع الكثير من العوارض التي اوهنتها..
تجربه الدكتور ذنيبات عميقة وقد ترك لدى انطباع من يملك الكثير من الدواء والمعالجة والتشخيص.
فالدكتور واقعي بعيد عن العالم الافتراضي الذي يعيشه الاخرون ويعتقدونه البديل، وهو يرى ان الفكرة التي لا تقوم ولا تنفذ ولا تطرح اكلها فإنما هي نبت يموت ، وقد يغري لكنه لا يثمر..
التقطت من كلام الدكتورذنيبات افكارا اتمنى ان تسير ولا اريد ان احمّله مواقف واقوال لم يقلها ولكنني ساقول ما لدي متاثرا بما قال..
لعل المشكلة الادارية هي ابرز ما نواجه، فنحن بحاجة الى اصلاحات ادارية تمس حياة المواطنين وتتعامل معها، وليس لجانا عديدة تنعقد وتذهب وتحصي مياومات او تحجز قاعات لتزيد عدد الملفات التي كثرت دون ان يجري ترجمتها .. وهذه واحدة من مشاكلنا اننا لا نصرف “الروشيتة” ولا نطبق ما جاء في التشخيص حين نريد معالجة قضية، بل قد يعمد البعض الى وضع كل النتائج في الادراج، وقد يجري تطبيق عكس ما هو المطلوب تماما، وقد تعودنا على ذلك ورأينا في حياتنا ودفعنا ثمنه..
ابرز المشاكل التي تواجه هي فقدان القدرة على الاستمرارية والادامة والصيانة لكثير من مرافقنا في الجامعات والمستشفيات والبنية التحتية ،وهذا ما تسبب في تراجعها وتآكلها وعدم قدرتها على تقديم خدماتها، بل وهلاك كثير من هذه الخدمات..
لننظر الى مستشفى الخدمات الطبية الملكية مدينة الحسين الطبية اين كانت واين اصبحت، حين نزورها فنجد اقساما بالكاد تصلح واجهزة معطلة، بل حمامات مغلقة لا تطالها الصيانة، وازدحام ومواعيد بالضغوط وعدم قدرتها على الوفاء والالتزام، وذلك نتاج قلة الموارد ونضوبها من اجل الصيانة والادامة، وهذا ينسحب على مستشفيات اخرى لا اريد ان اتوسع في الحديث عنها كالبشير وغيره ومستشفى الملكة علياء وكلها بحاجة الى اعادة الحركة والصيانة والحفاظ على المكاسب التي قدمت عبر السنوات ..
وفي هذا الاطار نرصد اوضاع جامعاتنا الرسمية التي نالها ايضا التراجع في خدماتها وحاجتها الماسة لملايين الدنانير، والتي لا يفيد فيها تبرع تقدمه الفوسفات او البوتاس او اي جهات اخرى ان لم تكن هناك برامج ادامة حقيقية وصيانة وضغط انفاق وبرامج لزيادة مصادر الدخل الذاتي وتخصيبه والاعتماد على النفس..
ما نراه في كثير من مؤسساتنا الخدمية مفجع وهو ينعكس على المواطن المكفوف يديه عن مساعدة نفسه او تمكينه، فالمزارعون والسكان مثلا في الجنوب يعانون قلة موارد ومصادر المياه لاغنامهم وزراعتهم وشربهم، وهم لا يستطيعون حفر الابار لان ذلك ممنوعا وبرسم العقوبة والغرامة، ولكن بالمقابل لماذا لا يسمح لهم بالحصاد المائي وتشكيل سدود صغيرة يمكنهم احداثها على شكل برك وتجمعات مائية في الوديان وبين الجبال وفي ارضهم، وان تساعدهم الدولة على ذلك كما في سوريا حيث عشرات خزانات المياه التي يضعها في الارض الفلاحون.. ان ذلك يساعد كثيرا وهو نافع فالفلاح او المزارع يحصد الماء الذي يضيع سدى عندما يترك، واذا لم يجر هذا الحصاد فإن المياه تذهب لمناطق في الجوار يستفاد منها في سوريا والمملكة العربية السعودية وفلسطين وغير ذلك..
اذا نحن بحاجة الى اطلاق طاقات الناس وتوجيههم لما يخدم مصالح ولا يظلم احد او يجور على الموارد، فلا يجوز ان نستمر في الحديث عن موارد لا نستفيد منها وعن مشاريع لا نساعد الناس على اقامتها..
ثمه مؤسسات لابد من اعادة النظر في دورها واعمالها خاصة بعد ان اصبح المواطن يعاني تسديد فاتورة الماء والكهرباء، وبعدما اصيبت بخيبات امل في عدم قدرته على السداد، ولذا فإن كثير من البيوت في كثير من المدن والقرى والمخيمات ينام سكانها بلا كهرباء وبعد انقطاع التيار عنهم، وهذه الاعداد تتكاثر، اذ يسبب انقطاع الماء والكهرباء سريان امراض ومشاكل بيئية وصحية، ولذا لابد من اعادة النظر في اوضاع هؤلاء الذين لا تزيد فواتير بيوتهم عن 20 دينار لا يقومون على دفعها فتقطع عنهم ..لماذا لا يصار الى احصائيات دقيقة حول هؤلاء ويتركون لاخذ ماء من بعضهم او حمل اواني لجلب الماء من عند جيرانهم، وكذلك عدم قدرتهم على انارة بيوتهم..
نعم لدينا مشاكل صغيرة متراكمة تصنع مشاكل كبيرة معقدة، وقد لا نتحدث هنا عن السياسة ولا عن من جاء وذهب دون حساب او عتاب، ولكن نريد ان نتحدث عن تفاصيل عديدة وهامة يشكل حلّها اسنادا حصيفا لقطاعات كبيرة من المواطنين..
يجب مناقشة اليات صندوق المعونة الوطنية اذ تقول “علمه الصيد ولا تعطه في كل يوم سمكة” ولكننا نفعل غير ذلك وفي كثير من افعالنا تشجيع على الاعتماد على الاخر ، وعلى المساعدة السريعة بدل الاعتماد على النفس.
كنت ارغب ان اجالس الدكتور ذنيبات 10 دقائق ولكن الجلسة امتدت لساعة وكانت غنية، فقد عرض لافكار هامة دارت حول الاستمرارية والصيانة والحفاظ على المكتسبات وضغط الانفاق وتوجيهه، فماذا تستفيد المحافظات ومدنها وقراها من قاعات فارهة تقام بمساحات تصل الى ربع دونم في اتساعها والى مئات الالاف في كلفتها تفتح ليومين في السنة لمناسبة افراح او اتراح ويجري التبرع او جمع مال لها .. وهناك حاجات لاشياء اكثر اهمية واولوية..
من يوجه ومن يوقف التكرار الذي يعتقد اصحابه او المنتفعين منه في انتخابات او جاهات انه الحل.. نعم نريد حلولا لكثير من مشاكلنا وما استمعت اليه من الدكتور ذنيبات فيه حلول وكنت اتمنى ان ينشر ذلك في الناس وان يكون ذلك جزءا من العلاج المنتظر الذي طال انتظاره..
نعم نستطيع ان نفعل الكثير وان نحل الكثير من مشاكلنا دون رطانة او مزايدة او بيع كلام او جلد النفس، ونستطيع ان نضيف مثل هذه الافكار لما تفكر فيه الحكومة التي امتدح الدكتور ذنيبات عملها وطالب بالشراكة الاوسع من المواطنين والكف عن زيادة المطالبات التي لا تعود بالفائدة على الجميع..
دكتور ذنيبات .. نعم نستطيع!!
19
المقالة السابقة