نص كلمة الرئيس عباس في الأمم المتحدة:
الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في البداية، أتقدم إليكم بالشكر والتقدير على قراركم التاريخي غير المسبوق بإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، التي اقترفتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وتصادف هذا اليوم، الخامس عشر من شهر أيار عام 2023، بعد أن جرى تجاهلها طيلة السنوات الماضية.
إن هذا القرار يُمثل إقرارا من منظمتكم الموقرة بالظلم والإجحاف التاريخي المستمر الذي وقع على الشعب الفلسطيني في العام 1948 وقبله ولا يزال، كما يشكل أول دحض من قبلكم للرواية الصهيونية الإسرائيلية التي تنكر هذه النكبة. وكلي ثقة وأمل بأن هذه المنظمة الأممية لن تدخر جهداً من أجل رد الاعتبار للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة وإزالة آثار هذه النكبة، أولاً باعتمادها حدثاً سنوياً يؤسس له ضمن قرار أممي، واعتبار الخامس عشر من أيار من كل عام يوماً عالمياً لإحياء ذكرى مأساة الشعب الفلسطيني، التي هي مأساة للبشرية جمعاء، وثانياً عبر العمل على إنجاز الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في تقرير المصير واستقلال دولته، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها، حتى لا تصبح هذه المأساة وصمة عارٍ على جبين الإنسانية.
وفي هذا اليوم الذي أقف فيه أمامكم، يحيي شعبنا الفلسطيني في أماكن تواجده المختلفة في فلسطين والشتات، وكذلك أصدقاء شعبنا وأحرار العالم في العديد من العواصم والمدن، هذه الذكرى المأساوية التي لا تزال تلقي بظلالها الحالكة علينا. ورغم ذلك فإن الرواية الفلسطينية، المتعلقة بالنكبة والقضية الفلسطينية عموماً، بدأت تشق طريقها إلى وعي الشعوب والدول التي أخذت تكتشف زيف الرواية الإسرائيلية، وذلك بجهود أبناء شعبنا، وبدعم ومساعدة الخيّرين في هذا العالم.
كما أود أن أبلغكم بأن نُصُباً تذكارياً وطنياً يخلد ذكرى النكبة، ويعبر عنها، يجري بناؤه في فلسطين ليصبح شاهداً على هذه المأساة الإنسانية، جنباً إلى جنب مع مؤسسة للذاكرة الوطنية الفلسطينية، وقد أصدرنا قانوناً فلسطينياً لإحياء ذكرى النكبة كل عام.
إن النكبة، أيتها السيدات والسادة، لم تبدأ في العام 1948، كما أنها لم تنته بعد هذا العام، فإسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، لا تزال تواصل احتلالها وعدوانها على الشعب الفلسطيني، ولا تزال تتنكر لهذه النكبة، وترفض قرارات الشرعية الدولية القاضية بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم التي هجروا منها بالقوة والترهيب، ولا تزال تحتل أرض دولة فلسطين التي أقرتها جمعيتكم الموقرة وقبلتها عضواً مراقباً فيها، ولا تزال تصادر أراضي فلسطينية وتبني المستعمرات اليهودية عليها، فضلاً عن فرض نظام فصل عنصري “أبرتهايد” على الفلسطينيين، سواء داخل إسرائيل، أو في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967.
لقد اتخذت هذه المنظمة الدولية عبر السنين مئات القرارات التي تُقِر بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في وطنه، (ألف قرار تقريباً)، ومنها القرار 181 للعام 1947، الذي يقضي بقيام دولة عربية للشعب الفلسطيني على مساحة 44% من أرض فلسطين التاريخية إلى جانب دولة إسرائيل، وكذلك القرار 194 الذي يقضي بوجوب عودة اللاجئين الفلسطينيين، وقد كان إلزام إسرائيل بتنفيذ هذين القرارين شرطاً لقبول عضويتها في الأمم المتحدة، ولكن وللأسف الشديد فإن دولاً بعينها في هذه المنظمة عطّلت عن قصد تنفيذ قراراتكم، في ممارسة تجحف بالعدالة والأخلاق والقيم الإنسانية، وتزيد في معاناة الشعب الفلسطيني وعذاباته.
ولذلك فإننا نطالبكم اليوم رسمياً، ووفقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بإلزام إسرائيل باحترام قراراتكم هذه، أو تعليق عضويتها في الأمم المتحدة، لا سيما وأنها لم تفِ بالتزامات قبول عضويتها في منظمتكم الموقرة. (رسالة وزير خارجية إسرائيل موشيه شاريت للجمعية العامة بتاريخ 29 نوفمبر 1948 التي تعهد فيها باحترام القرارين 181 و194 وتنفيذهما) وللآن لم يتم ذلك.
إن دولاً كبرى تعرفونها تماماً تقف اليوم مكتوفة الأيدي إزاء العدوان المتواصل على شعبنا، وترفض مساءلة إسرائيل على عدوانها واحتلالها للأرض الفلسطينية وبناء المستعمرات عليها، وتدمير حل الدولتين، وخرق الوضع التاريخي القانوني في الحرم القدسي الشريف. لقد قبلت هذه الدول بأن تبقى دولة الاحتلال دولة فوق القانون، وأن توفر لها الحماية من أية مساءلة أو عقاب، فإلى متى يمكن أن يستمر هذا الحال؟ ومن الذي يعطل تنفيذ قرارات منظمتكم الموقرة؟ ولماذا هذه الازدواجية في المعايير؟
أيها السيدات والسادة،
إن بريطانيا والولايات المتحدة على وجه التحديد تتحملان مسؤولية سياسية وأخلاقية مباشرة عن نكبة الشعب الفلسطيني، فهما اللتان شاركتا في جعل شعبنا ضحية عندما قررتا إقامة وزرع كيان آخر في وطننا التاريخي، وذلك لأهداف استعمارية خاصة بهما، وما كان لإسرائيل أن تمعن في عدوانها لولا الدعم الذي تتلقاه من هذه الدول، فالذي أصدر وعد بلفور هي الحكومة البريطانية، وبتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقبلت هذه الدول بدون أي تمحيص الزعم القائل بأن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب.
لقد وصف وعد بلفور المشؤوم أغلبية السكان أي العرب الفلسطينيين (بالسكان غير اليهود)، دون أن يذكرهم بالاسم، ووعد بإعطائهم حقوقاً دينية ومدنية فقط، رغم أنهم كانوا يشكلون 96% من مجموع عدد السكان في فلسطين.
وأنا أتساءل: أين المنطق والعدالة في هذا الوعد؟ وما هو الأساس القانوني الذي يستند إليه؟ وما هو حكم القانون الدولي في هذا الأمر؟ إنه في الحقيقة وعد من لا يملك لمن لا يستحق.
إن الدول الاستعمارية التي تتحمل مسؤولية تاريخية عن النكبة يجب أن تتحمل مسؤولية تاريخية بالمقابل في إنصاف الشعب الفلسطيني وإنهاء معاناته.
السيدات والسادة،
إن أولى المزاعم الصهيونية الملفقة، والأكثر شيوعاً، هي أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب ويتوجب إعطاؤها لشعب بلا أرض.
والحقيقة أن وطننا التاريخي فلسطين لم يكن يوماً أرضاً بلا شعب، حتى يعطى ظلماً وعدواناً لمن زعموا أنهم شعب بلا أرض، فلقد عشنا نحن فيها آلاف السنين، منذ أن عمرها أجدادنا العرب الكنعانيون قبل أكثر من خمسة آلاف عام، وبنينا فيها حضارة إنسانية، ولم ينقطع وجودنا الجماعي الخلاق فيها يوماً منذ أن عمَرناها. كيف تكون فلسطين أرضاً بلا شعب وهي التي كانت من أكثر مناطق الهلال الخصيب والمشرق العربي تحضراً، تزخر بالحياة والتطور والثقافة والعمران، (لقد كان في مدينة يافا وحدها، على سبيل المثال، عشرات المكتبات ودور النشر والصحف ودور السينما).
وقد زعموا أيضاً أن الفلسطينيين تركوا بلادهم عام 1948 طواعيةً. وحقيقة الأمر هي أن الفلسطينيين هبوا للدفاع عن وطنهم التاريخي، وعن وجودهم على أرضهم، بالرغم من قلة الإمكانات المتوفرة لهم، ولكن الدول الاستعمارية، وبريطانيا تحديداً، وفرت للصهاينة كل وسائل القوة لكي ينفذوا مشروعهم الاستعماري بقوة السلاح، بينما عاقبت كل فلسطيني حمل السلاح، دفاعاً عن نفسه وأرضه وحقوقه.
وكانت النتيجة أن قامت دولة إسرائيل، لترتكب أكثر من خمسين مذبحة، ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ولتدمر أكثر من خمسمائة وثلاثين قرية فلسطينية، وتشرد 957 ألف لاجئ، وهو ما يشكل أكثر من نصف الشعب الفلسطيني في حينه.
وتواصل إسرائيل ترديد هذه المزاعم الملفقة، رغم ما نُشر من شواهد ووثائق سرية صهيونية تُقِر وتعترف بأن الفلسطينيين صمدوا وقاتلوا وقاوموا التهجير القسري، وآخر هذه الشواهد، فيلم الطنطورة، الفيلم الوثائقي الإسرائيلي الذي أنتجه وأخرجه الإسرائيليون أنفسهم، ويعترف فيه الجنود الإسرائيليون الذين قتلوا بدم بارد أكثر من مئتي فلسطيني بجريمتهم المشهودة.
إسرائيل أيتها السيدات والسادة، وفوق كل ما ارتكبته وترتكبه من جرائم بحق شعبنا منذ النكبة وحتى اليوم، فإنها تنتهك أيضاً حرمة المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية في فلسطين، كما أنها تمنع الفلسطينيين من حقهم في حرية العبادة في المسجد الأقصى / الحرم القدسي الشريف، الذي هو حق حصري للمسلمين وحدهم.
ولم تسلم المقابر الإسلامية والمسيحية من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه الإرهابيين، فضلاً عما تقوم به سلطات الاحتلال من حفريات غير قانونية تحت المسجد الأقصى.
ولا بد من الإشارة هنا إلى التقرير الصادر عن مجلس عصبة الأمم عام 1930، حول حقوق الملكية في حائط البراق، الذي هو جزء من المسجد الأقصى المبارك، حيث أكد هذا التقرير، وبإقرار جميع الشهود، بمن فيهم رجال دين يهود، أن ملكية حائط البراق والحرم القدسي الشريف تعود حصراً للوقف الإسلامي وحده.
أيتها السيدات والسادة،
تردد إسرائيل مزاعم زائفة أخرى لتغطي على عدوانها وجرائمها، فهي التي تدعي بأن حروبها ضد الفلسطينيين والعرب كانت حروباً دفاعية.
كيف يكون ارتكاب المذابح وتدمير القرى وتشريد نصف سكان فلسطين في العام 1948 حرباً دفاعية، وكيف تكون حرب إسرائيل عام 1956 واحتلال سيناء وقطاع غزة حرباً دفاعية.
وكيف تكون حرب 1967 حرباً دفاعية، وهي التي كشفت الوثائق السرية الإسرائيلية بأنه كان مخططاً لها منذ زمن بعيد، وذلك باعتراف جنرالات الجيش الإسرائيلي؟ وهل الحروب الدفاعية تعني الاحتفاظ بالأراضي التي يجري احتلالها وضمها للدولة الغازية، (كما هو الحال بالنسبة للقدس والجولان السوري)، في خرق صارخ لقرارات الشرعية الدولية، كقرار مجلس الأمن 242، 338 وغيرهما من القرارات التي لا تجيز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، وصولا الى القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن في 23 ديسمبر2016، والذي نص على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية ووقف الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية؟ وهل الحرب الدفاعية تعني إنشاء مستعمرات على أرض الشعب المحتل ونقل المستعمرين إليها والذين أصبح عددهم اليوم في الأرض الفلسطينية التي احتلت عام1967 أكثر من 750 ألف مستعمر؟
وهل الحروب العدوانية المتكررة، التي تشنها إسرائيل على أهلنا في جنين ونابلس وغزة وغيرها من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وآخرها الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة وقتل الأبرياء من أطفال ونساء، حروب دفاعية ؟.
إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا وفرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، هو السبب الحقيقي لاستمرار دوامة العنف، وإذا ما ذهب الاحتلال إلى غير رجعة فلن يكون هناك أي مبرر للعنف والحروب.
وتواصل المزاعم الصهيونية والإسرائيلية ادعاءاتها الزائفة بالقول إن إسرائيل جعلت الصحراء تزهر. إن فلسطين، لم تكن صحراء حتى يأتي الصهاينة ويجعلوها تزهر.
فلسطين أيها الأصدقاء بلد متوسطي ومليئة بالسهول الخصبة، وكان بها أنهار وبحيرات، وكانت تصدر منتوجاتها الزراعية إلى العديد من دول العالم قبل أن تقوم دولة إسرائيل.
أما الكذبة الأكبر فهي ادعاء إسرائيل، ومن يدعمها من الدول الاستعمارية، بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
الدولة الديمقراطية الوحيدة هذه هي التي ارتكبت نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وتحتل الشعب الفلسطيني منذ العام 1967، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتل شعبا آخر، فكيف يستوي الاحتلال مع الديمقراطية؟
الدولة الديمقراطية الوحيدة هذه هي التي جرى تصنيفها من قبل منظمات دولية حقوقية، مثل منظمة بيتسيلم الإسرائيلية، وهيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، بأنها دولة فصل وتمييز عنصري (أبرتهايد)، وتنظر محكمة العدل الدولية اليوم في ماهية احتلالها للأرض الفلسطينية، وهي التي تقوم بالتمييز العنصري بين مواطنيها، وتصدر القوانين التي تعتبر اليهود فيها أصحاب حق حصري في تقرير المصير. وهناك الكثير الذي يدحض هذه الكذبة الكبرى
رواية زائفة أخرى تروجها إسرائيل ويتلقفها مناصروها، دون تمحيص أو تدقيق، هي الزعم بأن الفلسطينيين لا يضيعون فرصة لكي يضيعوا فرصة أخرى، وأنه لا يوجد هناك شريك فلسطيني للسلام.
ما معنى إذن أن يقبل الشعب الفلسطيني بدولة فلسطينية على 22% فقط من أرض وطنه التاريخي، ويعترف بإسرائيل ويستعد للعيش إلى جانبها بأمن وسلام وحسن جوار؟ وماذا يعني أن يقبل الشعب الفلسطيني بقرارات الشرعية الدولية كلها، ويبدي استعداده لحل الصراع مع إسرائيل عبر المفاوضات السلمية على أساسها؟ وماذا يعني أن يقبل الفلسطينيون بمبادرة السلام العربية التي أصبحت جزءاً من القرار الأممي 1515 والتي تنادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967 مقابل السلام؟ وأخيراً من الذي تنكر وتراجع عن تفاهمات العقبة وشرم الشيخ في الأسابيع الأخيرة، قبل حتى أن يجف الحبر الذي كتبت به، والتي جرت بحضور الولايات المتحدة ومصر والأردن، لوقف الإجراءات الأحادية، وتحقيق الهدوء، والالتزام بالاتفاقات الموقعة، للانطلاق نحو الأفق السياسي. فمن هو إذن الذي يضيع الفرص؟ وأين هو شريك السلام الإسرائيلي؟
وفي سياق الحديث عن الروايات الإسرائيلية، تقول إسرائيل إنها تحتفل هذه الأيام بالذكرى الخامسة والسبعين لاستقلالها. فقط أريد أن أسأل عمن استقلت إسرائيل؟، ومن الذي كان يحتلها؟
وهنا أريد التأكيد بأن أهم شرط لتحقيق السلام والأمن في منطقتنا يكمن في الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واستقلال دولته الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، بالقدس الشرقية عاصمة لها، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194، وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ولا يمكن أن يتحقق السلام والأمن بغير ذلك.
نحن أيها السيدات والسادة، لسنا ضد اليهود، ولسنا ضد الديانة اليهودية، ولكننا ضد من يحتل أرضنا، وينتهك حقوقنا، ويعتدي على مقدساتنا.
أيتها السيدات والسادة،
تجري اليوم في إسرائيل أحداث، وترتفع أصوات خطيرة متطرفة، تنكر وجود الشعب الفلسطيني، وتنادي بارتكاب نكبة أخرى بحق الفلسطينيين، تحت سمع وبصر الحكومة الإسرائيلية، دون أن تستنكر ذلك أو تحرك ساكنا، وهناك من ينادي صراحة بقتل الفلسطينيين، وطردهم من ديارهم، وهدم بيوتهم وترحيلهم منها، وهو للأسف ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية نفسها، التي يقودها نتنياهو، سموتريتش وبن غفير وغيرهم من غلاة التطرف والاستيطان. إن ما جرى في قرية حوارة من قتل وحرق للبيوت والممتلكات من قبل عصابات المستوطنين الإرهابيين، بحماية الجيش الإسرائيلي، جيش دولة الاحتلال، يثير الرعب ويعيد إلى الأذهان صورة حية لما جرى في النكبة عام 1948. إن ذلك أمر في غاية الخطورة لا يمكن ولا يجوز السكوت عليه، كما ويتوجب على المجتمع الدولي أن يتدخل ويردع العدوان، ويوفر الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق فإننا نحيي كل المواقف التي صدرت عن العديد من الدول وشرفاء وأحرار العالم والقوى المحبة للسلام التي أدانت الجريمة الإسرائيلية في حوارة، ونحيي بشكل خاص الإسرائيليين أصحاب الضمائر الحية الذين توجهوا إلى القرية، وتظاهروا متضامنين مع أهلها، ومحتجين على ما جرى فيها من قتل وحرق ودمار، وتعرضوا جراء ذلك للقمع والاعتداء من قبل المستوطنين المتطرفين وقوات الجيش الإسرائيلي.
لا يجوز أن يقبل أو يسكت المجتمع الدولي على افتراءات ومزاعم إسرائيل الكاذبة، ولا يجوز أن تفلت إسرائيل من المساءلة والعقاب، ولا يجوز أن تبقى إسرائيل دولة فوق القانون في هذا المجتمع الدولي والنظام العالمي، ولا بد لهذه المنظمة الدولية الموقرة التي تعمل على تحقيق السلم والأمن الدوليين أن تحافظ على مصداقيتها، ولذلك فإن أول خطوة يتوجب على الحكومة الإسرائيلية القيام بها هي أن تُقر هي وشركاؤها بالمسؤولية عن هذه النكبة التي لا تزال تتنكر لها، وبالمسؤولية عن المذابح والجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني وتشريده، والاعتذار وطلب الصفح وجبر الضرر، وتنفيذ كل قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة، وما لم تقم إسرائيل ومن ساندها، وكذلك المجتمع الدولي بأسره بذلك، فإن جذور الصراع ستظل قائمة، وسنبقى نطالب بحقنا أمامكم وفي كل مكان، بما في ذلك المحاكم الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية.
أيتها السيدات والسادة،
إن الحقيقة الساطعة والوحيدة التي نتعامل معها وندعو العالم أجمع أن يتعامل معها، وهي التي تمثل جذر رواية الشعب الفلسطيني، هي أننا أصحاب حق، كنا هنا منذ فجر التاريخ وسنبقى هنا حتى نهاية الدنيا.
من حق الشعب الفلسطيني أن يعيش حراً كريماً في وطن حر كريم، ومن حقه أن يدافع عن نفسه وعن وجوده وحقوقه الوطنية، واسمحوا لي أن أقول إن من حقه عليكم أن تساعدوه على تحقيق حريته واستقلاله وعضويته الكاملة في الأمم المتحدة، وتنفيذ قراراتكم ذات العلاقة، وأن يعيش في أمن وسلام، أسوة ببقية شعوب العالم، ومن حقه عليكم تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وتوفير الحماية الدولية له.
الحضور الكريم،
يقف شعبنا اليوم موحداً لإحياء ذكرى النكبة، وأود أن أطمئن الجميع بأننا سوف نحافظ على وحدتنا الوطنية بكل السبل ومهما كانت التحديات، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والالتزام بالشرعية الدولية.
وأخيراً أود أن أُحيي صمود أبناء شعبنا الفلسطيني في فلسطين وفي مخيمات اللجوء والشتات، وفي المقدمة منها القدس درة التاج وزهرة المدائن على ثباتهم في أرض وطنهم، وأُحيي بكل فخر واعتزاز شهداءنا وأسرانا وجرحانا البواسل، وأقول لهم جميعاً إن ذكرى النكبة ستظل حاضرة في وعينا ونبراساً وحافزاً لشعبنا حتى إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال، وأُكرر مرةً أخرى بأن الاحتلال إلى زوال، وسوف ينتصر الحق الفلسطيني في النهاية طال الوقت أم قصُر، ليسود السلام في منطقتنا والعالم