يتوهّم كثير من الناس أنّ اللغة لا تعدو أن تكون النحو والصرف والإعراب والقواعد وما دار في فلكها، ولذلك شكا كثير من الطلبة والناس من اللغة لتشعّب قواعدها ولصعوبة بعض هذه القواعد أحياناً ولتشبّث بعض مدرّسي العربيّة بالاستثناءات والتطبيق الصارم.
وغاب عن بال كثير من الناس أنّ اللغة هي أساس نجاح التواصل بين الناس، وأساس إقامة علاقات حميمة وقويّة بين أفراد المجتمع، وأنّ التقصير في معرفة اللغة وخصائصها وقواعدها ينعكس بالضرورة على العلاقات بين الناس، لكنّ اللغة في هذه الحالة شيءٌ أبعد من النحو والصرف والإعراب، فهي المفردات التي حبا الله تعالى بها لغتنا العربيّة العتيدة، وهي المعاني والدلالات البعيدة والقريبة للألفاظ، وهي الخيال البديع الذي لا تعجز هذه اللغة الثريّة بمفرداتها وصورها وعباراتها التعبير عنه.
وما دام الإنسان، ولا سيّما العربيّ، يؤخذ بالكلمة الطيّبة التي تحيل غضبه هدوءاً ونقمته رضا وحزنه فرحاً وأساه سروراً وبغضه حبّاً وشقاءه سعادة، فإنّ هذه الكلمة الطيبة والصورة الجميلة البديعة موجودةٌ في لغتنا، فإذا ما رجعنا إلى هذه اللغة واستنبطنا كنوزها، وأتقنا استعمالها وتوظيفها وأحسنّا اختيار كلّ جميل وبديع فيها فمن الطبيعي أن يثمر هذا الاستخدام حبّاً ورضا وسعادة وقناعةً وتآلفاً وتماسكاً.
فلتكن لغتنا العربيّة الكريمة بما تحمله من مفردات جميلة وعبارات رقيقة شفافة وصورٍ زاهية ومعانٍ عميقة ومؤثرة، سبيلنا إلى نشر قيم التعاون والمحبة والوفاء وحبّ الخير وخدمة الإنسانيّة، فهي تملك قدرة فائقة على تحقيق ذلك، لكنّ الذي يلزمنا كي نجعلها في خدمة هذه الغايات النبيلة هي أن نقبل على تعلّمها وأن نحسن تعلّمها وتعليمها واستخراج دررها البديعة، وأن لا نكتفي بالدوران في فلك نحوها وصرفها وإملائها. وتقع المسؤولية في ذلك على المؤسسات التعليمية والتربوية التي يجب أن تعمل على زرع محبّة اللغة، من خلال لغة المحبّة، في نفوس الناشئة والطلبة، بكلّ ما أمكن من الوسائل العلميّة الحديثة. ففي لغتنا بدائل لا تنضب للعبارات الجافّة والمفردات الغريبة وأشكال التواصل اللغوي الصارمة، ما علينا إلاّ أن نبحث عنها ونكتشفها ونتعلّمها ونعلّمها للأجيال ونتعامل بها.
إنّ لغتنا قادرةٌ بما تملكه من خصائص فريدة وكنوز لفظية، على إشاعة قيم الخير والجمال والتعاون، شريطة أن نجيد تعلّمها ونحسن تعليمها؛ فلغتنا لها سحرها وجاذبيتها وهي لغةٌ جاذبة وليست طاردة.
salahjarrar@hotmail.com
د.صلاح جرار /اللغة والأمن الاجتماعي
15
المقالة السابقة