الأزمة السياسية التي يعيشها العراق تنذر بعواقب وخيمة بوصول أطرافها إلى طريق مسدود، واحتمالات لجوئها إلى إعادة التموضع السياسي والطائفي من جديد، ربما يفرز تحالفات جديدة تعيد رسم خريطة التحالفات قد تقلب موازين القوى على الأرض.
ومنذ احتلال العراق استندت التحالفات السياسية إلى المحاصصة الطائفية، وحققت إلى حد ما نوعا من التوازن في توزيع النفوذ والأدوار على مدى السنوات العشر الماضية رغم أنها كانت هشة وغير متوازنة، أدخلت العراق في أتون أزمات متتالية إلا أن أطرافها توافقوا ولو تكتيكيا على توزيع الأدوار وتقاسم السلطات الشكلي في إدارة البلاد.
ولم تفرز السنوات التي أعقبت الاحتلال طبقة سياسية مؤهلة وقادرة على إدارة العراق ومعالجة تداعيات الاحتلال، إضافة إلى إخفاقها في تعزيز أجواء الثقة بين مكوناتها، وتؤسس لمرحلة جديدة قاعدتها الشراكة ومبدأ تقاسم السلطات والتداول السلمي للسلطة.
وأدى ذلك إلى اختيار طرف مؤثر من أطراف العملية السياسية طريق احتكار السلطة وتكريسها في تعزيز نفوذه، الأمر الذي أدخل العراق في أتون الصراعات السياسية والطائفية في محاولة لإقصاء الخصوم وتهميش دورهم وسلب حقوقهم. وإذا استعرضنا الإخفاقات السياسية التي أفرزتها المحاصصة الطائفية نستطيع القول إن هذه الصيغة الدخيلة على المجتمع العراقي وعلى الحياة السياسية، وضعت العراق على طريق المجهول وقسمت المجتمع العراقي إلى شيع وطوائف ساهمت في زعزعة أسس وأركان التعايش والمصير المشترك الذي كان قاعدة المجتمع العراقي على مدى الحقب الماضية.
وهذا الإخفاق أفرز أزمات سياسية متلاحقة حولت التحالفات المكتوبة بين أركان العملية السياسية إلى مجرد حبر على ورق من دون التزام حقيقي بمضامينها.
فاتفاق أربيل الذي أخرج حكومة المالكي إلى النور عام 2010 بتوافق قادة الكتل السياسية على أسس حكومة الوحدة الوطنية يراوح مكانه، ولم يجد طريقه للتنفيذ؛ فبدلا من أن يكون اتفاق أربيل مدخلا للحل أصبح جزءا من المشكلة بسبب الخلافات حول بنوده ومدى التزام أطرافه ببنوده، كما أنه أصبح موضع خلاف بين الموقعين عليه.
وأدى إحساس وشعور طرفي المعادلة السياسية (ائتلاف العراقية والأكراد) أن رئيس الحكومة نوري المالكي تخلى عن التزاماته التي وردت في اتفاق أربيل، وراح يكرس ويعزز نفوذه في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والاقتصادية من دون مشاركة الآخرين، ويحتكر القرار السياسي في التعاطي مع الشأن السياسي الذي أثار حفيظة وقلق ورفض شركائه في الحكم، ودفعهم إلى إعادة النظر في تحالفاتهم والعمل الجدي باتخاذ إجراءات لوقف اندفاع طرف من أطراف العملية السياسية لاحتكار السلطة وتكريسها لخدمة مشروعه السياسي،
وهذا المنحى في مسار العملية السياسية وضع العراق على أعتاب مرحلة البحث عن خيارات أحادية الجانب قد تفضي إلى انفراط عقد الشراكة بين مكوناته التي كانت الضمانة لوحدته، ومقاطعة الأكراد وأطراف في ائتلاف العراقية لاجتماعات مجلسي الوزراء والنواب هو ترجمة لهذا المنحى الذي نتحدث عنه.
فالأكراد الذين ينعمون بتجربة شبه مستقلة عن الدولة راحوا يبحثون عن حلفاء لمواجهة هيمنة الحكومة المركزية وسلطانها على الأطراف بالتلويح بخيار الانفصال عن العراق، وإعلان الدولة الكردية في الوقت المناسب، فيما راح آخرون يهددون بالفيدرالية كخيار لوقف تهميشهم وإقصائهم من الحياة السياسية. والأكراد لم يكتفوا بالتلويح بفك عرى الشراكة مع المركز، وإنما راحوا يبحثون عن تحالفات لتعزيز موقفهم الداعي إلى سحب الثقة من حكومة المالكي باستقطاب العراقية والانفتاح على التيار الصدري والمجلس الأعلى وجزء من التحالف الوطني الذي ينتمي إليه المالكي.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يصمد المالكي في مواجهة الاصطفاف السياسي المحتمل الذي تزامن مع انتفاضة شعبية متواصلة في ست محافظات؟ أم أنه كما فعل خلال توقيعه على اتفاق أربيل سيناور ويستغل الوقت لتفادي العاصفة التي قد تبعده عن المشهد السياسي؟
أحمد صبري كاتب عراقي
a_ahmed213@yahoo.com