عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب
سليم الزعنون “ابو الأديب”.. رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”.. انه مجلد من مجلدات القضية الفلسطينية، ومخزن من مخازن ذاكرة فلسطين التي رصدت واحتفظت وكانت امينة على القضية من التحريف والتسليم او التراجع..
كان شخصية متوازنة تميل الى الاعتدال وتأخذ به وتغلب الصبر والهدوء والمصالحة حين يتعلق الامر بالصراعات الداخلية.
كان رجل المهمات الداخلية الصعبة، كان يلعب دور “زهير ابن ابي سلمى” حين كان ينشب الصراع فكان صوت السلام والتحذير من العواقب والحرائق، كان اشبه بالهرم بن سنان او الحارث بن عوف في معلقة زهير بن ابي سلمى.
كان يؤمن رغم الآلام التي واجهت شعبه ورغم المؤامرات والنكران والجحود الذي ابداه البعض العربي بضرورة ان تبقى القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، وان تكون بعيدة عن الاستقطاب والاحتواء والتوظيف لغير الغايات الوطنية والكفاحية الفلسطينية، ولذا كان الزعنون ضد التدخل العراقي في الكويت وضد اي انحياز فلسطيني لذلك، وقد عبر عن رأية بشكل سافر، وكان يرى ان التأييد الفلسطيني للغزو سيجلب المتاعب، وكان له الفضل في تخفيف حدة التوتر الفلسطيني الكويتي ونزع فتيل الصراعات وتبديدها، وكان يرى حتى في احداث الخلاف مع الاردن في السبعينيات ضررا كان يمكن تجنبه.. ولذا كان في صف ابو مازن من هذا التقييم حين بادر ابو مازن لزيارة الاردن والالتقاء بالملك الحسين الراحل في عزاء الملكة علياء طوقان..
كان “ابو الاديب” يرى ان مقتل القضية كان في صفقة كامب ديفيد المصرية، وكان يأخذ على القيادة انذاك ارتباكها في ادارة الازمة الناتجة عن ذلك..
كان ابو الاديب فلسطينيا حتى النخاع وغزيّا ممثلا للقطاع بشكل جيد دون تعصب، وحين كان يخاصم لم يكن يفجر في الخصومة بل كان يميل الى “الحرد” حين تستغلق عليه السبل، وقد كان الرئيس عرفات يعرف عنه ذلك ويقول: ” دعوه يرتاح”، وقد ورث هذا الموقف الرئيس عباس الذي ظل يؤمن بدور الزعنون في قيادة المجلس واحترافه في حل القضايا الداخلية والانتخاب، ولم يكن يطلب منه الاستراحة لولا تقدمه في السن وعدم الرغبة في تحميله ما لا طاقة له به..
أحب عمان وأحب الاقامة فيها ودعا الى تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية باستمرار..
كان في نهجه وسلوكه يستحق ان يطلق عليه اسم “احمد اللوزي الفلسطيني” لتشابهه مع الشخصية الاردنية شخصية “احمد اللوزي ابو ناصر” في كثير من الصفات وخاصة في الابعاد التشريعية والقانونية، وفي بعد الميل الى الاحتواء والمصالحة..
احب اللغة العربية منذ كان طفلا وآمن بغوايتها وصب من خلالها عواطفه واحاسيسه على شكل شعر، فكان شاعرا صاحب دواوين شعرية، وكان شعره وطنيا انصرف فيه الى تمجيد القدس والى شحذ الهمم والكفاح والى رثاء الشهداء ومنهم الشهيد ابو جهاد الذي ربطته به مسيرة وذكريات..
كان اجندة الثورة وانطلاقتها وذاكرتها، يعود اليه القائد والمفكر والباحث لتأصيل حدث او معرفة حقيقة او موقف، وها هو يرحل مع ذكرى الانطلاقة المباركة لحركة فتح التي ظل يرى انها قائدة النضال الفلسطيني..
لم يهادن دعاة الانشقاق ولم ينطل عليه ايدلوجيتهم ولبوسهم الاسلام رغم تدينه وبداياته، ولذا ظل يطالب بتعزيز الحركة الوطنية الفلسطينية في وجه كل الاشكال الاخرى مهما تزينت، وظل دائما باسلا صامدا في وجه اي حركة انشقاق او ضعف..
رحل وهو متفائل بشعب الجبارين.. رغم كل المآسي التي رأها وعاشها وخاصة سنوات التوطين في سيناء والمشاريع التي اسقطها الفلسطينيون..
سليم الزعنون.. مخزن الذاكرة الفلسطينية
11