عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
هكذا تحدث الشيخ مجحم الخريشا أمس عن والده وجده وعن العائلة والقبيلة الخرشان ودورهم الوطني والقومي والكفاحي الى جانب فلسطين قبل النكبة عام 1948 ، وعن ما قدموه في تثبيت اركان المملكة وتوفير اسباب الاستقرار ودعم قدوم الامير المؤسس عبد الله..
كانت الموّقر البلدة الواقعة على حد الصحراء والتي أسسها في التاريخ يزيد بن معاوية، وترك فيها قصرا للمشتى ما زالت اثاره، كانت نواة لانطلاقة العشيرة لقرى عديدة في الامتداد حتى الارض السعودية..
امس تحدث مجحم الخريشا وعدد من المهتمين والمؤرخين كما لو انه مؤرخ يذكرنا بالمؤرخين القدماء الذين حفظوا في صدورهم كثير من الروايات وابدعوا في السرد والتحليل والموضوعية..
كان ابو مالك يتدفق علما ومعرفة وكان يضع الكثير من النقاط على كلمات زاغت عنها النقاط فقرأت على غير سياقها وحقيقتها..
قلت وانا استمع اليه وارغب في المزيد من حديثه ما زال الاردن ليس على الورق، وهنا أحس احيانا بسوء النية إزاء عدم وضعه على الورق كما يجب، وحتى الآن وأعتقد أن هناك من لهم مصلحة في تغييب الاردن عن الورق وفي بقائه تائها على ألسنة من لا ينصفون اهله او يغفلون دورهم..
الخريشا اصحاب من قبل، فيهم لقمة الخريشا متبوعة، لعبوا دورا بارزا على المستوى الوطني كقبائل بني صخر الاخرى ، وهم جزء منها وكان اجدادهم حديثه الخريشا وسليمان وغيرهم مراجع وطنية وعشائرية وملاذاً آمنا، حمى ثوار سوريا وفلسطين واطعم من جاع وآوى من خاف..
ولعل المداخل العميقة التي صحح فيها جمال الخريشا.. العين والنائب السابق والشيخ الحكيم كثيرا من المقولات جاءت لتروى حين تحدث عن مفاهيم ومثل واخلاقيات تجاوزها من تصدروا لتاريخ العشيرة ولمن قرأوا الخرشان بسرعة..
جمال الخريشا صاحب منطق وله مصداقية في كل مواقفة وظل قريبا من وجدان الملك الراحل الحسين الذي ظل يثق بأبناء الخريشا الذين تبوءوا مناصب وزارية وادارية وقادة في الجيش..
امس كانت ليلة مميزة في مهرجان الفحيص.. وعلى هامش المهرجان حين جرى حشد مجموعة كبيرة من الحضور للاستماع الى تاريخ الخريشا وشيوخهم ودورهم ، وهذا الامر اتمناه ان يشكل بداية مسح شامل للتاريخ الشفوي الاردني وهو اغنى من التاريخ المكتوب، لنؤسس شيئا يربط الاجيال الطالعة بجذورها ويضيء هذه المساحة من الوطن والتي اعطت الكثير وظلت تنقل الراية وتدافع عنها..
علمت ان ما تحدث به الشيخ مجحم منشور وكذلك مداخلة الشيخ جمال الخريشا وهذا امر جيد، فلقد استطاعا في مداخلاتهم ان يكشفا طبيعة العلاقات التي كانت سائدة بين الامارة الناشئة في شرق الاردن وبين المملكة السعودية آنذاك، وكذلك موقف الاردن من سايكس بيكو والتقسيمات ومن وعد بلفور وتأسيس الوطن القومي اليهودي على ارض فلسطين، حيث تغيب الاضاءات الشعبية غالبا وتحضر الرسمية وهذا ما استطاع المتحدثون ان يلتقطوه..
لقد تميز مهرجان الفحيص بتكريم عديد من الشخصيات العامة الأردنية وفتح صفحات من التاريخ لا بد من فتحها والتركيز عليها، وزادت الفحيص الكريمة أن قام أحد أبنائها وهو الدكتور موسى شتيوي استاذ علم الاجتماع باقامة وليمة كبيرة للحاضرين في منزله العامر بالفحيص التي حرصت دائما على تمتين الاسرة الأردنية الواحدة .. وهذا امر مشجع ، فقد اكتشفت بنفسي حين بدأت تأليف سلسلة من كتبي بعنوان “في هوية المكان” ان الجغرافيا الاردنية في مدنها وحواضرها وبواديها وتاريخ شعبها ليست على الورق بالصورة الموضوعية والحقيقية، فقمت بجهود متواضعة لأضع كتبا بلغت اكثر من عشرين كتابا عن مدن الاردن وفلسطين، جاء فيها الكثير من الجديد والهام المغيب، لأكتشف ان الاردن ليس على الورق وان الذي على الورق في كثير منه لا يسمن ولا يغني..
لابد من مشروع وطني في كتابة التاريخ وتحويل الشفوي الى مدون، وقد رأيت نواة ذلك امس في الفحيص حين تحدث المحاضرون والمتداخلون في نموذج قبيلة الخريشا من بني صخر ليفتحوا منجما غنيا لا بد من مواصلة العمل فيه..