خمسة عقود مضت والعمل العربي المشترك سياسيا واقتصاديا يتحرك كما موج البحر دون تقدم حقيقي، فالمسيرة العربية من الوحدة الى التكتلات الى الفرقة والتنافر والاصطفاف والاصطفاف المضاد، والنتيجة الكلية اننا كأنظمة كثيرو البدايات، قليلو الانجاز، والدليل على ذلك استقرار التبادل التجاري البيني ما زال دون نسبة الـ 10% برغم الاتفاقيات الثنائية والمتعددة وصولا لاتفاقية التجارة الحرة العربية التي تضم 26 دولة، اما التكتلات الاقليمية منها من انفرط عقده واما مكانك سر، يوما بعد آخر تتفاقم الخلافات وتتنازع المصالح وتغلب القطرية على المجموعة والنتيجة لا تقدم بما يخدم دول المنطقة وشعوبها.
منطقة اليورو التي بدأت بدول الاتحاد ثم انضم اليها اعداد اكبر من غرب الى شرق اوروبا، وبرغم حربين عالميتين في النصف الاول من القرن الماضي، الا ان انظمة الدول الاوروبية تجمعت واصبحت ثاني اكبر سوق عالمية تتأمل فيما بينها لتقديم الافضل وتتنافس على اسواق التصدير، وجأت ازمة الديون السيادية التي وضعت دول المنطقة امام تحديات كبيرة، الا ان الدفاع عن تلك الوحدة كان الهم الاكبر للدول الاوروبية في مقدمتها المانيا وفرنسا، وبعد ثلاث سنوات من العناء بدأت تلك الجهود تثمر، والاقتصاد الاوروبي الذي توقع المحللون ان تنهار العملة الموحدة وتتشطر اوروبا الى دول شمال ودول جنوب، الا ان المؤشرات تؤكد بداية تعاف يعتد به، ويعيد القاطرة الاوروبية الى المسار المطلوب.
عربيا واجهت الامة العربية (التي تتشارك في اللغة والتاريخ والدين والاماني والمصالح والعادات والتقاليد) فكانت تبدي ضعفا اكبر امام التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والازمة الاخيرة وهي ما تسمى بـ الربيع العربي الذي تحول الى جحيم للشعوب والانظمة، دفعنا الى الوراء عشرات السنوات، ولم تستطع شعوب المنطقة وانظمتها السياسية تحويل التغير الى مصلحة للجميع، ووقع الجميع وبتفاوت في ضنك ومحنة، ولم تستفد من تجارب الآخرين في تحويل التحدي الى فرص للتقدم ومعالجة ما فاتنا.
الالاف من الاجتماعات ومئات اللقاءات على مستويات ثنائية ومتعددة الاطراف والقمة والنتيجة كانت الكثير من القرارات، والاصعب في ذلك ان تلك القرارات تهدر ولا تجد من ينفذها، ويخال للمراقب اننا لا نملك انفسنا في كثير من الاحيان، وقراءة سريعة لمعالجات الازمات العربية والاقليمية نستطيع القول ان المنطقة تسير عكس التيار، وان تحويل امال شعوب المنطقة من التقدم الى تدبير اولويات حياة الناس، اما الديمقراطية والتعددية والحرية والريادة اصبحت ترفا.
ان العلامات الفارقة عالميا واقليميا، فان العالم يسير نحو التقدم، ويعالج كبواته ويسجل دروسا مفيدة، بينما عربيا نشهد نكوصا وتراجعا مريعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذه الاوضاع تعصف بنا وتحتاج الى معالجات جذرية على مستويات محلية ثم اقليميا وعربيا، وان اللحاق بشعوب الارض يحتاج الى اصلاح حقيقي بعيدا عن التزييف، وان بناء منظومة من التشريعات تنظم حياتنا بعدالة وفق مساواة حقيقية.
خالد الزبيدي/التعاون العربي في أدنى مستوياته…
16
المقالة السابقة