ليس من الحكمة أن تمر التقارير التي تتحدث عن انتشار الجريمة، وأهمها السرقة والسطو المسلح والمخدرات والتهريب ،دون الوقوف عندها والتأمل في أرقامها. فأن تكون أعداد السيارات التي سرقت في عام 2013 أكثر من (4) آلاف سيارة، وعدد المطلوبين الذين تم توقيفهم مؤقتاً (35) ألف شخص، وأن يصبح ما يقرب من 1% من الشباب من متعاطي المخدرات التي وصلت إلى المدارس والجامعات، فهذا أمر بالغ الخطورة. وإذا استمر الحال على هذا المنوال المتصاعد ،فإن جراثيم الجريمة ستنتشر في كل مكان من جسم المجتمع والدولة، وبكل اتجاه. وإذاك يصعب استئصالها، وتتحول البلاد من منطقة عبور للمخدرات و التهريب، إلى منطقة استقبال دائم. وهذا من أكبر الأخطاء و الأخطار التاريخية التي يمكن أن تواجهها الدولة. و مع التقدير للجهود الحميدة المميزة التي تقوم بها مديرية مكافحة المخدرات ،إلا إن الطرق المتعددة التي يتم بها نشر المخدرات بين الشباب، أمر لا يحتمل التهوين أو التغاضي، بل يستدعي المواجهة العلمية والعملية الحازمة، و يتطلب التعاون ما بين القوى الأمنية و منظمات المجتمع المدني و المواطنين،. كما أنه ليس من المفيد أن ندفن الرؤوس في الرمال ولا نرى شيئا، ونفترض أن كل شيء على ما يرام. فالمخدرات تجارة تعمل على هدم المستقبل وتفتيت المجتمع وإفشال الأجيال. وما نراه حولنا في بعض الأقطار العربية القريبة جدا منا، ينبغي أن يكون درسا و صدمة كافية للمسئول الرسمي، وللقوى السياسية، ولمنظمات المجتمع المدني لاتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.
إن انتشار الجريمة، وتواجد مئات الآلاف من المهاجرين والوافدين والعاطلين عن العمل، والمهربين والباحثين عن الثروة اللاقانونية، والهاربين من مواجهة الحياة، والمغرر بهم، وبما يزيد عن المليون شخص من غير الأردنيين، كل ذلك قد أرهق و أضعف منظومة الأمن إلى حد كبير، وأزال الطمأنينة بين الناس. ولا تكاد تجد اليوم بقعة أو منطقة واحدة آمنة من الجريمة أو السطو المسلح أو السرقة أو المخدرات، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. هذا على الرغم من الأعباء الثقيلة،و الجهود الكبيرة الحميدة التي يبذلها أفراد الأمن ومؤسساته في كل مكان.
والسؤال :متى يصبح الأمر مقلقا؟ ومتى يدق ناقوس الخطر في أذن الدولة بقطاعيها العام والخاص، ودوائرها الأمنية ومنظمات المجتمع المدني؟ ما هو الرقم الذي ننتظر الوصول إليه حتى ندرك أن الأمر جد خطير، فنرفع الرأس لنرى ما يجري؟ إن اقتحام الصيدليات،و محلات الصرافة واقتحام البيوت وخطف الحقائب، وسرقة السيارات، كلها جرائم ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمخدرات والتي يعتبرها الخبراء البيئة الخصبة لمختلف الجرائم.
والسؤال لدى المواطنين: لماذا هذا التردد لدى الحكومة ولدى مجلس النواب إزاء تغليظ العقوبة إلى الحد الذي يجعلها رادعة بكل معنى الكلمة؟ ما الذي يحول دون ذلك في هذه الظروف الاستثنائية؟ وكيف يطمئن المواطن على نفسه إذا كانت سرقة سيارته يتم تكييفها قانونيا على “أنها استعمال أداة بغير رضا صاحبها” أو “أنه اقتراض بدون استئذان لفترة زمنية”؟ وكيف يطمئن القاضي إلى ميزان العدالة إذا كان المجرم يعود إليه كل بضعة أشهر بجريمة جديدة؟ وكيف يخرج الشباب من حالة الإحباط إذا كان ترويج المخدرات على أنواعها يتم بالقرب منهم وفي مدارسهم وجامعاتهم وعلى أطراف الطرق؟
ومن نافل القول، التأكيد على أن نتائج تعاطي المخدرات على مستوى الفرد تؤدي إلى سلسلة من الأمراض الجسمانية والأمراض النفسية، إضافة إلى اضطراب المعيشة، وانخفاض الإنتاجية، والموت المبكر، وارتفاع حوادث السيارات، وحوادث العمل، وتخفيض إنتاجية المتعاطي إلى اقل من 30% من قيمتها. أما على المستوى الوطني فالمخدرات تفكك المجتمع، وتسارع انتشار الجريمة، وتفشل منظومة التعليم ليعجز المجتمع عن النهوض والتقدم. إضافة إلى الكلفة الاقتصادية، والتي تقترب من 100 مليون دينار سنويا.
لقد ارتأى بعض السياسيين ،انه وبعد الربيع العربي وثورة الشباب، فإنه من المفيد “تخفيف القبضة الأمنية والقضائية عن الشباب”، وبالتالي عدم السماح لقوى الأمن لكي تقوم بواجبها كاملا، فتطبق القانون والنظام بحزم وحسم. وارتأى أولئك، أن لا يذهب القضاء إلى العقوبات القصوى، و إنما إلى ما يسمح به القانون من التخفيف. وهذا خطأ فادح إذا تصورنا انه ينسحب على الجريمة وتعريض أمن المواطنين وأموالهم للخطر . فالمطلوب” تخفيف القبضة الأمنية و استخدام الأمن الناعم” فيما يتعلق بالحريات،و الاحتجاجات والمظاهرات وبالنشاط السياسي غير المعادي للدولة، وفق القانون وفي إطار سلامة الدولة. أما تخفيف القبضة الأمنية فيما يخص المخدرات والجريمة، و اللجوء إلى الأمن الناعم تجاه المطلوبين والمشبوهين فهذا عكس ما ينبغي أن يكون. بل إن هذا من شأنه أن يزعزع ثقة المواطن في القانون والنظام و قدرة الدولة، و يثير رياح خريف عربي لا نود أن نراه في ربوع بلادنا.
إن الحكومة مطالبة وبالسرعة القصوى، أن تقدم مشروع قانون تغليظ العقوبة على جرائم السرقة والسطو وتجارة المخدرات إلى الدرجة التي تجعلها عقوبات رادعة مانعة. و مطلوب أن يعود لرجال الأمن مكانتهم و دورهم في التصدي للمخدرات،و استخدام الأمن الخشن والقاسي تجاه الجريمة، وكما تفعل اعرق الدول الديموقراطية. أن المؤسسات الشبابية والمدارس والجامعات مطالبة بإجراء الدراسات والاستقصاءات الخاصة بكل منها من حيث المخدرات،وتكثيف النشاطات التي من شأنها إبعاد الشباب عن طريق الجريمة والمخدرات من جهة. وعلى منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة تقع مسؤوليات مشابهة.
إن بناء المستقبل، والاعتماد على الشباب، والحفاظ على الوطن، يتطلب قتل هذه الآفات في مهدها، و منعها من أن تتجذر في تربة الوطن.
د.ابراهيم بدران/المخدرات و الجريمة… بين الوهم والحقيقة
13
المقالة السابقة