هي ليست أحجية حتى نقع في كل هذا اللبس حول كيف نصنف الاقتصاد الاردني وفي أي مرتبة نضعه، فهناك شواهد وأدلة بالارقام والتفصيل، كما هناك النظريات والقواعد والادبيات الاقتصادية التي تقودنا وتساعدنا في تشخيص واقع الحال وتحديد مكامن الضعف والقوة! طبعاً هذا الدور لا يقوم به الا الخبراء العارفين بعلم الاقتصاد والمتسلحين بالعلم والمعرفة والخبرة حتى لا نزيد المشهد المرتبك أصلاً إرباكاً! فحتى المقارنات التي تحدث بين الاقتصاد الاردني والاقتصادات الاخرى هي مقاربات معظمها ليست علمية ولا موضوعية!
نقول ذلك تعليقاً على الحوار دار خلال الفترة الماضية حول الاقتصاد الاردني وتصنيفه وتقييمه! فهل بلغ الاقتصاد الاردني حالة “الافلاس” والتي تعني عدم قدرة الدولة على الالتزام مالياً أم أنه في وضعية “ممتازة” والتي تدفعنا لتفاؤل مفرط ؟ الاجابة وبوضوح لا هذه ولا تلك! فالاقتصاد الاردني يعاني من جملة مشاكل هيكلية وتحديات تؤثر بشكل مباشر على الاداء الاقتصادي على المستوى الكلي والجزئي لكنه لم يصل الى الحالة التي يمكن وصفها “بالمفلس” فهناك ما يمكن تقديمه.
في اقتصاد يعاني من ضعف معدلات النمو الاقتصادي وعجز مزمن ومتواصل في الموازنة ومن مديونية متزايدة سنوياً ومعدلات بطالة مرتفعه ومحدودية قدرته على خلق الوظائف وانخفاض في تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر من الصعب جداً أن يوصف بأنه حالته “ممتازة على المستوى المالي والنقدي” وذا كان هذا الممتاز فمتى يكون غير ممتاز؟
في المقابل لايزال هذا الاقتصاد ذاته قادراً على دفع الالتزامات المالية المستحقه عليه بموعدها سواءً كان من رواتب وتعويضات ورواتب تقاعدية للعاملين أو التزاماته للمؤسسات الدولية كخدمة الدين العام، ولا يزال هذا الاقتصاد قادر على تأمين المواد الغذائية بمخزون جيد جداً دون أي نقص من المواد الاساسية تغطي احيتاجات المملكة ل9 شهور ونصف! متجاوزاً الحد الادنى للمعايير الدولية والتي تشير الى ضرورة تغطية المستورادات لـ 3 أشهر على الاقل!
ولا يزال هذا الاقتصاد على الرغم من كل ” العلات والمشاكل” يحتفظ باحتياطيات أجنبية من العملات الأجنبية والذهب بمقدار 18 مليار دولار (ما يعادل تقريبا 13 مليار دينار)، تتوزع معظمها بين ما يقارب 7 مليارات ونصف دينار من النقد والارصدة والودائع وما يقارب 3 مليارات دينار من الذهب (22% من الاحتياطيات) وأكثر من 3 مليارات دينار سندات وأذونات وتتوزع الاحتياطيات الباقية ما بين المساهمة في مؤسسات مالية دولية حقوق السحب الخاصة وديون على الخارج تنفيذا لاتفاقيات الدفع! هذا التنيوع في هيكل الاحتياطيات يعتبر مناسب مقارنة في العديد من الدول!
كما يظهر الجهاز المصرفي مؤشرات مهمه تشير الى استقراره فنسبة كفاية رأس المال بلغت 18% في العام 2021 بينما تشير المؤشرات الدولية لنسبة 12% كحد أدنى، ونسبة الديون غير العاملة إلى إجمالي الديون في 2021 كانت 5 %، كما بلغت نسبة تغطية الديون غير العاملة في 2021 ما نسبته 79.9 %!
كل ذلك يشير الى أن الاقتصاد الاردني ليس مفلس! كما يشير بالضرورة الا أنه ليس بوضعية ممتازة أبدا! وما يجب أن يقال في هذا السياق بأن هناك مجموعة من الخبراء والمختصين لازالوا مجتمعين في الديوان الملكي الهاشمي لازالوا يعملون للوصول الى وثيقة اقتصادية تقيم وضع الاقتصاد الاردني بصورة علمية ومهنية وتضع الحلول الواقعية لتصبح خارطة طريق بمنهجية علمية وخارطة تنفيذ عملية!