( 1 )
أسأل نفسي عند طلوع كل شمس وعند الغروب ماذا أصاب القيادات السياسية في خليجنا العربي حتى يصلوا بنا إلى ما وصلنا إليه اليوم؟ هل غاب العقل وانعدمت الحكمة عندهم أو عند بعضهم أو في بلاطهم؟ هل هذه لعنة مساعدتهم لقوى أجنبية عام 1991 لإيصال العراق إلى ما وصل إليه اليوم؟ هل لأنهم أهملوا القضية الفلسطينية والقبلة التي وجهت نحوها أول ركعة في الإسلام، بيت المقدس، ليعبث بها قطعان المستوطنات وذرية الكيبوتس وبقايا المحرقة النازية وذريتهم؟ هل ما حل بنا لعنة يمنية لأننا تركناهم ينهشهم الفقر والمرض والأمية وطغيان علي عبد الله صالح ونحن أهل الخليج أموالنا تنثر في كل مكان بوعي وأحيانا بلا وعي ودليلي أن بعض دول الخليج العربي أنفقت على الحكم الانقلابي في مصر حتى تاريخه ما لا يقل عن 30 مليار دولار في فترة أقل من ثمانية أشهر بينما الشعب في دول الثروة معظمهم بلا سكن يليق بهم وآخرون لا يجدون أماكن لأطفالهم في المدارس لازدحامها بالطلاب ذكرانا وإناثا.
( 2 )
لماذا اختلف قادتنا في دول مجلس التعاون الخليجي إلى الحد الذي بدأ الأقزام يتطاولون على قياداتنا الخليجية الشامخة على كل وسائل الإعلام، لقد وجد أؤلئك المناخ مواتيا لقذف هذا الحاكم أو ذاك بهدف إرضاء هذا الحاكم أو ذاك أقول وأنا صادق القول أنبهكم يا معشر المستكتبين في وسائل الإعلام أن حكامنا مهما بلغ بهم الخلاف والاختلاف إلا أنهم أصحاب سمو لا يقبلون المساس ببعضهم البعض أنهم يعضون بعضهم بعضا “بالشفايف وليس بالأسنان” فاحذروا أنهم في خلافهم سرعان ما يتفقون وسوف تكونون من الخاسرين.
الجواب على سؤالي في أول الفقرة هذه. إنهم اختلفوا في شأن مصر فريق يرى أن ما حدث في مصر أمر داخلي يسميه البعض منهم انقلابا والآخر ينفي صفة الانقلاب وفي الحالتين سقط النظام بتدبير عسكري محض، هذا التدبير العسكري الماكر قبل حدوثه طالب الشعب بالخروج إلى الشوارع لتكليفه بإسقاط النظام حماية للوطن وحربا على الإرهاب، وأي إرهاب يعنون!!
( 3 )
للخروج من هذه الحلقة المفرغة تقول أوثق المصادر إن قطر تقدمت باقتراح إلى أطراف الاختلاف الخليجي في شأن مصر مؤداه كي لا نختلف ويذهب ريحنا تعالوا نتفق على تكليف شخصية مصرية ليست خلافية مقبولة من الشعب وليست من أنصار النظام المعزول “الرئيس محمد مرسي” ولا من أنصار الانقلابيين المشير السيسي وندعوه لتشيكل حكومة مصرية انتقالية توافقية لمدة خمس سنوات يعد فيها دستورا وطنيا وتجري في ظلها انتخابات برلمانية ورئاسية في نهاية تلك المدة وعلينا دول الخليج مساندة تلك الحكومة ماليا وسياسيا كي تستقر مصر، استحسنت الفكرة وتم الاتفاق عليها من حيث المبدأ إلا أن مياها ساخنة جرت تحت الأقدام، وبلا مقدمات فشل المقترح.
بكل صدق مصر تعيش أزمة حالكة السواد سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية لا يمكن حلها إلا بتوافق مصري ــ مصري كما هو الاقتراح القطري. يعترف المشير عبد الفتاح السيسي أمام نقابة الفلاحين في 9 مارس الحالي أن مصر تواجه أزمة اقتصادية خانقة إذ بلغت ديون مصر الداخلية والخارجية 1700 مليار جنيه، وأن عدد سكان مصر 95 مليونا تقريبا، إنه حمل ثقيل لا أعرف كيف نتدبره كما قال، وسؤالي ألم يعلم المشير قبل انقلابه على الشرعية عن حال مصر؟!! إنها كارثة.
( 4 )
في إطار ذلك الخلاف الذي لا معنى له راحت بعض الصحف العربية من وراء الحدود وشخصيات لا نستهين بشأنها في دول خليجية تؤلب الأحقاد وتثير الضغائن ضد دولة قطر، ولكل أسبابه وليس هذا مجال ذكر الأسباب، تقول واحدة من تلك الصحف إن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين اجتمع سرا في تركيا وتبنى خطة لاستهداف دول الخليج العربي بالفتن والمؤامرات وبتمويل قطري، وكأن قطر ليست من دول الخليج، وسؤالي إذا كان ذلك الاجتماع سريا للغاية فكيف تسرب خبر قراراته إلى تلك الصحف؟ جوابي، هذا هو إعلام الأزمات الذي لا يخدم وطنا ولا نظاما سياسيا لأي دولة خليجية، إنه إعلام الهدم والتدمير وبث الكراهية بين الأشقاء ليبقى رجاله بين الأنقاض كالصراصير الألمانية التي عندها قدرة على التكيف مع المبيدات.
(5)
أعترف بأني لست من أنصار تولي “حركة الإخوان المسلمين” لقيادة أي دولة عربية لأسباب متعددة وقد ذكرت بعضا منها على تلفزيون الحوار في برنامج اشتركت فيه مع الدكتور عزام وقلت: قد ينجح الإخوان المسلمون في مصر في الانتخابات ولكن لن يسمح لهم عربيا ودوليا بالنجاح في إدارة الدولة وهنا تقع الكارثة، ذلك القول كان عشية الجولة الثانية من الانتخابات المصرية بين الدكتور محمد مرسي والسيد أحمد شفيق، الأمر الثاني أن الغرب كله له معنا معشر المسلمين العرب ثأر كبير من عهد الحروب الصليبية، ووصول الإسلام إلى أبواب فرنسا واجتياح أوروبا الشرقية وصولا إلى أبواب فيينا، الأمر الثالث في ضعفنا، هو أننا معتمدون في تبادلنا التجاري مع العالم كله الذي يتحكم فيه الدولار والين والجنية الإسترليني واليورو والبنوك الأجنبية. نحن نحتاج إلى بناء القدرات أولا ثم البحث عن قيام دولة عربية إسلامية قوية.
(6)
في ظل العبث الجاري في مصر العزيزة وملاحقة كل صاحب رأي بتهمة الإرهاب وانشغال شخصيتها بتثبيت مراكزهم وتحقيق مصالحهم الذاتية وانشغال وسائل إعلامها بكيل الاتهامات لدولة قطر بأنها وراء أزمات مصر، وفي ظل الحرب الأهلية الدائرة في كل من العراق وسورية واليمن وفوضى سياسية وأمنية ومجتمعية في لبنان وفساد النظام السياسي في السودان واختراقات قوى متعددة في القرن الإفريقي وغياب العقل والحكمة في دول الخليج العربي تجد إيران ساحات وميادين التوسع والتمدد مفتوحة أمامها من أفغانستان شرقا حتى لبنان شمالا ومن الخليج شرقا حتى شواطئ البحر الأحمر غربا.
آخر القول: يا حكام الخليج العربي أحسنوا نواياكم في بعضكم، وثقوا في مواطنيكم، لا تختلفوا فيذهب ريحكم ويطمع فيكم الأعداء والمتربصون، واعلموا أن مصر باقية كبقاء أهرامات الجيزة بكم أو بدونكم، ولكن أنتم في مهب الريح يحيط بكم المتربصون، أفلا تبصرون؟!!
محمد صالح المسفر/قلق في الخليج وفرحة في طهران
11
المقالة السابقة