هزلت!! ولكن ليس اليوم.. بل منذ زمن بعيد، إذ كثيرة هي المؤتمرات الفاشلة التي تعقد من وقت لآخر بل إن بعضها يولد ميتا كحال المؤتمر الذي دعا إليه نوري المالكي في بغداد وانعقد خلال الثاني عشر والثالث عشر من الشهر الجاري.
ولد المؤتمر ميتا ليس بفضل سيرة الداعي للمؤتمر تلك السيرة التي تدعو للاشمئزاز والصدمة وتشكل لوحدها مفارقة ملفتة للنظر إذ كيف يرعى مؤتمرا لمكافحة الإرهاب من هو متورط بجرائم موثقة ومؤكدة تتجاوز الجرائم العادية إلى جرائم إبادة ضد الإنسانية مكان التقاضي الطبيعي فيها المحكمة الجنائية الدولية، وهنا أشير إلى المعلومات المخابراتية المهمة للغاية والتي سربها الصحفي أنور مالك والتي تؤكد علاقة المالكي بالقاعدة وداعش.
كما أن الذين شاركوا في المؤتمر لم يتجشموا عناء السفر أو مخاطر التواجد في المنطقة الخضراء حرصا منهم على إغناء المؤتمر بحلول ناجعة تصلح كعلاج للحالة الأمنية المستعصية في العراق منذ سنوات. بل أغلب الظن أن الذين شاركوا غير جادين وغير مكترثين بالحالة المأساوية التي انحدر إليها العراق ولهذا فإن مشاركتهم إنما جاءت لحسابات تتعلق بعقود وصفقات.. وليس التزاما بمبادئ. بعض الدول ولاسيَّما الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن تتطلع إلى عقود تسليح بعد أن أبرمت حكومة المالكي عقودا بالمليارات مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، حجتها أن هذه الأسلحة موجهة لمكافحة الإرهاب، إرهاب القاعدة وداعش فحسب، وبصرف النظر عمن سيستخدم هذه الأسلحة (حتى لو كانوا إرهابيين من صنف آخر) على سبيل المثال لا الحصر ميليشيات العصائب أو فيلق بدر أو حزب الله أو الحرس الثوري أو البطاط، هذه الفصائل والجماعات لا تقل إرهابا عن القاعدة وداعش، لكنها لا تصنف هكذا رغم سجلها الأسود. مثال آخر على المعايير المزدوجة للغرب.
شارك بعض العرب ومنهم خليجيون في المؤتمر رغم دعوتنا للمقاطعة وهذا حدث يدعو للأسف، كما يدعو للاستغراب بعد أن وجه المالكي اتهاما صريحا غير مسبوق للسعودية وقطر بالضلوع في الإرهاب المتفشي في العراق؟ لقد خسر هؤلاء الكثير وأغضبوا إخوانهم أولئك الذين يضطهدهم المالكي وكانوا يأملون موقفا يعزز من صمودهم ويداوي جراحهم ويعطيهم جرعة من أمل وعلى وجه الخصوص العرب السنة من عشائر الأنبار في الرمادي والفلوجة الذين تستهدفهم مدفعية المالكي وطيرانه الحربي صباح مساء، بالنسبة لهذه الدول يبدو أن الخوف دفعها للمشاركة لإرضاء نوري المالكي ومن يقف خلفه بدل التعاطف مع العشيرة والأهل رغم ما يتعرضون له من سياسات تمييزية وطائفية.
الضعف بلاء، وكنا نأمل أن يستتروا بسببه، لا أن يفضحوا أنفسهم بأنفسهم وعلى رؤوس الأشهاد، إذا بليتم فاستتروا!!
المؤتمر في الشكل والمضمون لم يقدم جديدا، حتى التوصيات التي خرج بها ما هي إلا استنساخ وتكرار لطروحات وأفكار مستهلكة، لهذا يمكن القول إن المؤتمر لا يعدو أن يكون وجها من أوجه العلاقات العامة استهدفت جملة أغراض، الأول تبييض السجل كالح السواد لنوري المالكي ونظام حكمه الفاشي، وحتى في هذه لم يفلح. والثاني جمع أكبر حشد دولي ممكن للوقوف معه في الحملة العسكرية الفاشلة على الأنبار، وثالثا أن يسكت صوت المعارضة في الخارج لأن كل معارض لنوري المالكي يصنف في قاموسه بأنه إرهابي، ورابعا أن يحصل على بعض الأمل في عدم ملاحقته في الجرائم التي ارتكبها أو التي مازال يرتكبها بعد أن تصاعد خطاب المنظمات الحقوقية الدولية ضد ممارساته واتهام الاتحاد الأوروبي له بتورطه بجرائم ضد الإنسانية.
الكلفة الاقتصادية البديلة للمؤتمر كانت عالية، إذ ذكرت العديد من المواقع المعنية بالشأن العراقي أن الكلفة التي تحملتها الميزانية ربما تقترب من مائة مليون دولار!! وهو رقم فلكي لاشك.. ولا ينبغي العجب من ذلك في ظل تصرفات حكومة صنفتها الشفافية الدولية أنها أسوأ الدول التي ينتشر فيها الفساد، ولا ننسى أن هذا الوقت بالذات هو الأفضل للترزق والكسب الحرام حيث الرقابة البرلمانية مشلولة وقانون الميزانية لم يشرع حتى اللحظة. نوري المالكي يفرط في قوت المحرومين والفقراء رغم أن الميزانية تواجه ما يقرب من ثلاثين مليار دولار كعجز لا يعرف حتى الآن كيف سيجري معالجته، مائة مليون دولار تصرف على مظاهر ترفية لاتسمن ولا تغني من جوع تعني بالنسبة للفقراء حرمانهم من عشرة آلاف وحدة سكنية حديثة، أو أربعمائة مدرسة تحتاجها مناطق محرومة مازال أولادها يدرسون في مدارس الطين ويفترشون الأرض، أو إنقاذ مائة ألف مشرد بدفعة نقدية مقدارها ألف دولار تعينهم على قضاء المتطلبات الضرورية للحياة.. هذه هي الكلفة الحقيقية، لكن هل نوري المالكي يفكر بهذه الطريقة، حاشا لله.
التراجع في الملف الأمني يحصل في إطار التراجع العام في مختلف مجالات الحياة وإذا كان من مسؤول حكومي ينبغي أن يحاسب فهو المالكي دون شك بفضل صلاحياته الدستورية واسعة النطاق، لذلك فإن من أولى خطوات التغيير رحيل حكومة نوري المالكي، كي يتعهد بالملف الأمني من هو مؤهل، مؤمن بالسلام وراغب به، وعلى استعداد أن يتخذ قرارات صعبة تطال مختلف أوجه الأنشطة الإنسانية ذات العلاقة من سياسية إلى اقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية وغيرها. ما يحتاجه الأمن حقا هو رزمة من الإصلاحات لا مؤتمرات ذات طابع مظهري، أتذكر اجتماعا عقده المجلس السياسي بعد الهجوم الكبير على وزارة الخارجية عام 2009 وسمي في حينها الأربعاء الأسود وحضره القادة ورؤساء الكتل النيابية، قلت والخطاب موجه لهم اشرحوا لي هذه الظاهرة، لماذا جميع عواصم العالم آمنة باستثناء بغداد؟ بل لماذا جميع محافظات العراق غير آمنة ومعرضة لهجمات إرهابية باستثناء إقليم كردستان؟ رغم أن الإقليم غير معزول جغرافيا ولا يفصله عن المحافظات المجاورة لا بحر ولا صحراء ولا جبل.. الكل فوجئ بهذا السؤال ولم يعلق أما أنا فعلقت وقلت هذا دليل وجود خلل موضوعي في النظام والإدارة، علينا أن نتداركه بالمراجعة وإعادة النظر.. ملاحظة ضاعت كغيرها في خضم تسارع للأحداث لا يرحم يدفع بلدي نحو المجهول
طارق الهاشمي/إرهابي .. يرعى مؤتمرا لمكافحة الإرهاب !!
8