بقلم:منيب رشيد المصري
أقر المؤتمر الأول للحركة الصهيونية المنعقد في مدينة بازل عام 1897، قيام وطن قومي لليهود على أرض فلسطين التاريخية، وكان إعلان بلفور في العام 1917، ركيزة أساسية لترجمة هذا القرار على الأرض، فعملت بريطانيا صاحبة هذا الوعد على تمكين الحركة الصهيونية من بناء “الدولة” في العام 1948، على أنقاض المجتمع الفلسطيني الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى شعب لاجئ يقاوم من أجل عودته وتقرير مصيره.
مئة وأربع سنوات مرت على إعلان بلفور الذي جاء فيه: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.
هذا النص نفى حق الشعب الفلسطيني في أرضه، واعتبر هذا الشعب عبارة عن طوائف غير يهودية مقيمة في فلسطين، ليس لها أي حقوق سياسية، بل نفى عنها صفة المواطنة الأصيلة، فكيف يمكن لهذا الإعلان أن يكون أخلاقي أو قانوني، وكيف يمكن أن يشكل هذا الإعلان أساساً لتعامل كل دول العالم مع حقيقة وجود دولة إسرائيل التي أنشأها هذا الإعلان.
إن حجم الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني جراء هذا الإعلان لا يمكن لعقل بشري طبيعي أن يتصوره، فكل المآسي المستمرة بحق الشعب الفلسطيني هي نتيجة لهذا الوعد، التي التقت فيه مصالح بريطانيا الاستعمارية مع مصالح الحركة الصهيونية، وانتجت “دولة” على أنقاض المجتمع الفلسطيني الذي شُرد على يد العصابات الصهيونية بمساعدة وتواطئ من المندوب السامي البريطاني وحكومة بريطانيا بشكل عام.
لكن وبدون شك فإننا كفلسطينيين وبعد مرور ١٠٤ سنوات على هذا الوعد المشؤوم، يجب علينا أن نعمل وبشكل جدي على مجابهة هذا الإعلان بعمل جماعي ومُمأسس، ونضع خطة تحرك واضحة وصولاً إلى إجبار حكومة بريطانيا على الاعتذار للشعب الفلسطيني عن هذا الإعلان الذي تسبب في نكبته الكبرى.
أعتقد بأن الإنجاز الأول في هذا السياق والذي يمكن البناء عليه، هو صدور قرار قضائي من محكمة بداية نابلس بإدارة هذا القرار، والطلب من حكومة بريطانيا الاعتذار، وكذلك فإن العمل على مقاضاة بريطانيا أمام المحاكم البريطانية، وهذا ما نعمل عليه، يشكل أساساً مهماً لفتح جبهة قانونية ليس فقط على بريطانيا بل أيضاً على دولة الاحتلال، فالسعي إلى إدانة إعلان بلفور والغاءه وتقديم الحكومة البريطانية اعتذاراً للشعب الفلسطيني عنه، هو خلخلة للأساس الذي قامت عليه “دولة إسرائيل”، وهو مقدمة رئيسية لأن يترجم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض الواقع، لذا ومن أجل نجاح هذا التوجه القانوني الحقوقي علينا أن نعمل بشكل جماعي ونشكل حركة ضغط على حكومة بريطانيا، باستخدام حركات التضامن العالمية مع حقوق الشعب الفلسطيني وبخاصة في أوروبا وبريطانيا لتشكيل رأي عام شعبي يؤثر على برلمانات الدول وبالتالي على توجهات حكوماتهم فيما يخص الموقف من إعلان بلفور.
هذا الأمر يتطلب تفعيل عمل الممثليات الدبلوماسية الفلسطينية في أنحاد العالم وأيضا تفعيل دور الجاليات الفلسطينية من أجل التوعية والتأثير، ويرافق كل ذلك عمل دؤوب بفعاليات أسبوعية او شهرية خاصة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التعريف بمساوئ إعلان بلفور على الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية بشكل عام، وكيف يمكن أن يقود اعتذار حكومة بريطانيا عن إعلانها وسحبه على الأمن والسلم في المنطقة والعالم بشكل عام.
إننا وفي الذكرى الأليمة لإعلان بلفور نقول أننا بدأنا بخطوات جدية من أجل انتشال الشعب الفلسطيني من ويلات هذا الوعد من خلال العمل الجدي على إجبار بريطانيا سواء من خلال القضاء أو من خلال الاقناع، على سحبه والغائه، ونعمل الآن على تحشيد كافة الجهود الشعبية والرسمية الفلسطينية والعربية وغيرها، من أجل مأسسة العمل وإيجاد إطار تنسيقي واحد للمضي قدما وبشكل ممنهج للوصول إلى هدفنا في الغاء هذا الإعلان.
لا أريد الخوض بأن دولة الاحتلال لا زالت تستعين بقانون الانتداب البريطاني، وتستخدمه ضد الشعب الفلسطيني والذي يتنافى مع حقوق الإنسان، فهو يسمح بالاعتقال الإداري، وبالنفي، وبهدف وإغلاق المنازل والمنشآت، والكثير الكثير من الممارسات اللاإنسانية، لذلك أقول أن سحب وعد بلفور يخلخل الأساس المادي التي قامت عليه “دولة إسرائيل”، وأيضا يساهم في تقليل الصراعات وصولاً إلى انتهاءها في المنطقة العربية والاقليم لأن حصول الشعب الفلسطيني على حقه يهدم أساس الصراع في المنطقة، لا بل أيضاً يمهد الطريق لإحلال السلام والامن في العالم، ويعطي للدول مزيداً من الاستقرار الأمني الذي يؤدي إلى ازدهار اقتصادي، يقود إلى تفرغ العالم لمحاربة الأوبئة، وليس صرف الأموال الطائلة على الحروب والنزاعات، فقد كشفت جائحة كورونا حاجة البشرية جمعاء إلى التوحد ليس لمجابهة بعضها البعض، وإنما لمجابهة الأمراض والأوبئة التي لا تعرف حدود ولا تعترف بخلفيات دينية أو إثنية او عرقية، فلننهض جميعاً من أجل القضاء على سبب الحروب والنزاعات والقتل والدمار إلا وهو إعلان بلفور، لنتفرغ لبناء مستقبل للأجيال القادمة من خلال شرق أوسط جميل خالي من الحروب والأوبئة والامراض.
لقد بدأنا بخطة آنية مدتها عشرة أيام بدأت من القدس بوقفة احتجاجية امام القنصلية العامة البريطانية وتسليم القنصل العام رسالة احتجاج، وسيكون لدينا وقفة مشابهة في السادس من هذا الشهر في العاصمة لندن، أضف إلى ذلك تنظيم أكثر من فعالية في العواصم الأوروبية والمدن الرئيسية فيها، وهذا العمل هو باكورة خطة تُعد من أجل فعاليات مستمرة على مدار العام لتوعيه العالم بمعنى هذا الإعلان غير الانساني، ولدينا خطة طموحة في هذا الجاني لنصل بها إلى الولايات المتحدة الأميركة، وكندا، ودول أمريكا اللاتينية، وحيث يوجد جاليات فلسطينية في كل مكان من هذا العالم، لأننا أصحاب حق ونؤمن بمقولة أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، ونحن سنبقى نطالب بحقنا في تقرير مصيرنا ودولتنا وعودتنا، وأحد أسس تحقيق هذا هو الغاء وعد بلفور.