عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب..
خطاب الرئيس عباس أمام الأمم المتحدة للدورة الحالية ايلول عام 2021 هو الاعمق والاقوى والاصوب بين كل خطاباته..
لقد تابعت منذ البدايات خطب الرئيس عباس في معظم المناسبات ، وكتبت عن ذلك بل ونشرت، ولكنني لم أجد أعمق وافعل من كلمته الاخيرة للامم المتحدة.. فهذه المرافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن احواله، وعن ما قام به الاحتلال هو خلاصة من الصعب جمعها في هذه الدقائق، ولكن الرئيس ابو مازن ابدع في ذلك، وابدع في التقديم بلغة سليمة واضحة وبلهجة هادئة وبرواية سلسة تستوقف العارف وغير العارف..
حملت الكلمة ابعاداً وطنية واقليمية ودولية تحتاج الى التفصيل، ولعل حديث الفريق جبريل الرجوب عنها في تلفزيون فلسطين قد اوفاها بعض حقها حين شرح هذه الابعاد..
الرئيس عباس لا يحرق المراحل ولا يغادر المواقع غير المكتملة، وهو يدعو الى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، ويرى ان عاما واحدا كافيا لكنس الاحتلال وطرده، وتخليص الشعب الفلسطيني منه، وبالتالي تخليص أسراه الذين يعتقد الرئيس انهم انبل ما في هذا الشعب، إذ يشكلون عنوان صموده وبوصلة قضيته، وقد أكد التزامه بهم وبحقوقهم رغم الضغوط الضغوط القاسية التي تشن على السلطة الفلسطينية وترهن مقدراتها الاقتصادية، فما زال الرئيس على موقفه من الاسرى والمعتقلين ، وما زال يرى انهم نسغ الحياة الفلسطينية وبلازما دمهم ..
ينطلق الرئيس من مواقفه من المطالبة بدحر الاحتلال من نضاله المستمر في هذا السبيل، فقد كرس حياته لذلك ، كرس حياته كما يقول: “ناضلت طوال حياتي من اجل السلام” وهو اليوم لا يجد شريكا اسرائيليا يؤمن بالسلام، رغم ادعاء اسرائيل غير ذلك واستمرار تقديمها لرواية مزورة، وادعاء بعض العالم المنافق انه يشاركها في قيمها ، ربما دون ان يدرك او قد يكون مدركا ان قيمها تقوم على العنصرية والتطهير العرقي وارهاب الدولة والتمييز، واقتلاع الفلسطينيين وهدم بيوتهم وسجن الاطفال والنساء الحوامل، وارتكاب المجازر.. وهذه السلسلة الطويلة التي تنتهك فيها اسرائيل قرارات الشرعية الدولية، وتسن القوانين الجائرة بدعم من بعض حلفائها الذين تجد انهم يوفرون لها هوامش لتكون فوق القانون..
ويسأل الرئيس عباس ونسال معه.. إلى متى تبقى اسرائيل تمارس ذلك وتؤبد الاحتلال وتديمه؟ وتتجاوز قرارات الشرعية الدولية؟ وترفض الشراكة الحقيقية لانجاز السلام؟ ويتساءل هل تستطيع اسرائيل تجاهل ذلك؟ وهل تستمر في الافلات من جريمة اقتلاع نصف الشعب الفلسطيني من ارضه وتجاهل حقوقه المشروعه؟
لقد مضى على جريمتها في النكبة 73 عاماً، وعلى جريمتها في الاحتلال العسكري للضفة الغربية و شرق القدس ومقدساتها (54) عاما، وطوال تلك الاعوام من الاحتلال والارهاب والقمع والمصادرة يقول الرئيس ان المجتمع الدولي يتفرج على جرائمها، وخاصة عدوانها المتكرر لخمس مرات على غزة دون ان يوقفها فالى متى؟
يدعو الرئيس ان يزول الاحتلال في مدى عام واحد ، وهو عام اعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتمكين الرواية الفلسطينية من ان تعم العالم، ويصبح قادرا على تبنيه.. اذ ان دول العالم المرشحة للاعتراف بالدولة قد يصل الى 140 دولة في الجمعية العامة، ليطلع مجلس الامن على ذلك وتستطيع الامم المتحدة ان تتخطى سلاح النقض الفيتو الذي تستعملة الولايات المتحدة حرز لحماية اسرائيل وجعلها مدمنة عليه..
مطلوب ان يدرك العالم ان اسرائيل تواصل اللعب بالنار، وتوتير المجتمع الدولي، وتضيع فرص السلام والاستقرار، وهي تسعى الى تحويل الاحتلال الى حالة مؤبدة ليصبح نظامها نظام الابارتهايد ودون ان تؤمن بمبدأ المساواة لشعب يصل الى (7) مليون على ارض فلسطين التاريخية ، (5) منهم في الضفة و (2)خلف الخط الاخضر، وكل هؤلاء لن يسمحوا لاحتلالها ان يستمر، ولا لاخفاء حقوقهم ان يستمر ايضا..
خطاب عباس هوالاعمق والاوضح .. وادعو الى ترجمته لكل اللغات المقروءة في الامم المتحدة، كما ادعو الى توزيعه على كل دول العالم وشعوبها، لما يحمله من تكثيف وعمق وخطاب فاصل واضح، فإما ازالة الاحتلال وان “يحلّوا عنا” كما يقول الرئيس، والا فان الشعب الفلسطيني سيكون في حل من التزاماته تجاه اسرائيل، بل وسيعود عن الاعتراف بها وسيفقدها ذلك ويعريها بسحب شرعيتها وما يترتب على ذلك..
لقد حرص الرئيس عباس ان يكسو الحقوق الفلسطينية بقرارات الشرعية الدولية التي ينسجم معها، في حين سيعمل على تعرية اسرائيل امام الشرعية الدولية، الى ان يدرك العالم ان اسرائيل فيروس ارهابي لا يقل خطورة عن كورونا التي اجتاحت العالم..
أحيّ الرئيس على كلمته وادعو الى تبنيها ككلمة عربية للجامعة العربية، ولكل من يعتقد بعروبته وبأن فلسطين مازالت هي القضية المركزية للامة..
كما اتمنى ان تكون هذه الكلمة جزء من المنهج الدراسي للطلاب الفلسطينيين كونها الاوضح والاعمق والمرافعة الاقصر والافعل في الحق الفلسطيني..
عام واحد هكذا وعد الرئيس، وعلى الة العمل الفلسطينية ان تعمل على مختلف الصعد وخاصة المصالحة الوطنية واعادة اعمار غزة ليعقب العام عيد الاستقلال الحقيقي و دحر الاحتلال و قطف ثمار التجنيد الدولي لصالح القضية الفلسطينية..
لقد تقدم العمل الدولي من اجل فلسطين وما زال يتقدم بجهد فاعل للرئيس عباس الى أن نحتفل بدولة ناجزة معترف بها.
الرئيس عباس.. لاسرائيل: “حلّو عنا” !!
8
المقالة السابقة