أفعال وسياسات الحكومة الاسرائيلية الجديدة وبخاصة خطواتها الاستيطانية تقطع الشك باليقين في إمكانية قيام سلام مع الدولة الصهيونية، فبرغم ما يزيد على العشرين عاما من المفاوضات مع الفلسطينيين، وبرغم وجود اتفاقيات ما يسمى بالسلام بين إسرائيل من جهة، والسلطة وبعض الدول العربية من جهة أخرى، وبرغم الاستعداد الرسمي الفلسطيني لإقامة دولة على حدود عام 1967 فقط، وبرغم مبادرة السلام العربية، لم تزدد اسرائيل إلا تعنتا وتنكراً للحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية، وفرضاً للمزيد من الاشتراطات على الجانبين، فوفقاً لإسرائيل: لا يمكنها الموافقة على إقامة حتى دويلة فلسطينية دون القبول بوجود قوات عسكرية إسرائيلية في دويلتهم أسوة بالقوات الأميركية والأخرى الغربية المتواجدة في دول كثيرة من العالم كاليابان مثلاً، كما عليهم الاستجابة لشروط ومتطلبات الأمن الإسرائيلي كافة، ومن أجل الإثبات بأنهم ليسوا عنصريين عليهم القبول بالمستوطنات والمستوطنين في هذه الدولة العتيدة، وفوق كل شيء عليهم الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل. بالطبع معروفة تماماً اللاءات الإسرائيلية للحقوق الوطنية الفلسطينية.
الحكومة الإسرائيلية وإمعانا في المضي قُدماً باستيطانها، ترد على المبادرات العربية والدولية بالمزيد من انشاء الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بالتالي فإن البعض من القادة الفلسطينيين والعرب وعندما يتصورون بإمكانية جنوح إسرائبل إلى السلام، يخطئون تماماً، وينطلقون من أساس خيالي ليس إلا أن الواقع بكل أحداثه وتجاربه يشي ويؤكد على أن الكيان الصهيوني يفهم التسوية مع الفلسطينيين والعرب، باستسلامهم الكامل وخضوعهم للاشتراطات الإسرائيلية، ويعتقد بالحق التاريخي لليهود في يهودا والسامرة والذين سكنوا هذه المناطق منذ الآف السنين، لذا فإن من حق اليهود العودة إلى وطنهم التاريخي وإقامة دولتهم اليهودية عليه، وإن وافقت إسرائيل على إقامة حكم ذاتي فلسطيني في بعض مناطق الضفة الغربية وغزة، فإن هذا لا يقوم على أساس حق الفلسطينيين في هذه الأرض، وإنما هو منة إسرائيلية وتخلٍّ عن جزء من الأرض التاريخية في سبيل السلام…هكذا يفهم الإسرائيليون التسوية.
هذا بالفعل هو جوهر السياسات الفعلية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لذا فإن أية تسوية مع الفلسطينيين ستكون بوجود المستوطنين والمستوطنات في الأرض الفلسطينية، وزيادتها مستقبلا لأن زيادتها عبارة عن تغييرات جغرافية وديموغرافية طبيعية، ولا وجود لدولة فلسطينية على كامل حدود 1967 فإسرائيل لا تحسن الدفاع عن نفسها بعرض 9 أميال، بالتالي من حقها أن تضم إليها ما تشاؤه وما هو ضروري للدفاع عن حدودها، من أراضي الضفة الغربية المقطعة الأوصال، والتسوية توجب أن تكون الأراضي الفلسطينية ناقصة من أية مظاهر سيادية كما للدول الأخرى. لذا فإن السلطة على الأرض الفلسطينية (وحتى لو جرى تسميتها بالإمبراطورية) تتمثل فقط في الإشراف على القضايا الحياتية والإدارية للسكان، أي أنها في جوهرها ليست أكثر من حكم ذاتي هزيل.
للعلم ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي جرت في الدولة الصهيونية مؤخرا فإن الغالبية العظمى من الإسرائيليين ترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967. هذا عدا عن الطبيعة الفاشية المتطرفة للحكومة الإسرائيلية الحالية التي هي وفقا لتصريحات وزير الدفاع فيها أيالون: حكومة تعزيز الاستيطان.
ماذا يعني كل ذلك؟ يعني أن الفرص لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة حقيقية تنعدم يوما بعد يوم وبخاصة: أن الشارع الصهيوني يميل في تحوله نحو اليمين كما أثبتت الانتخابات التشريعية الاسرائيلية الأخيرة، ولذلك نرى التشدد والتطرف والعنجهية هي التي تطبع سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وهذه الأخرى تزداد يوماً بعد يوم وتتمظهر بالمزيد من الاشتراطات! وبأمانة وموضوعية وواقعية بعيدة عن العاطفية بل انطلاقا من معطيات الواقع نسأل:هل من الممكن لفلسطيني وعربي ومسلم ومسيحي وإنساني عادل أن يتصور امكانية قيام سلام مع هذه الدولة؟ سؤال نطرحه برسم كل الذين يتصورون ذلك!.
د.فايز رشيد/السلام المستحيل
14
المقالة السابقة