عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
من ميزات الصديق المحسن محمود ملحس انه ينفر من الاعلام ولا يحب الثناء على افعاله، وهو مؤمن بقضاء الحاجات بالكتمان و ان لا تعلم يمينه ما تعطي شماله، فلقد كان مبادراً ومحسناً ومساعداً، ولديه قائمة ممن يردهم منه مساعدات من ذوي الحاجات، ليسجل ذلك في ميزان صفاته وحسناته..
تعرفت عليه في مناسبة وتحدثنا وهو يجيد الانصات، و لديه قدرة على بلوغ الهدف من الحديث قبل ان ينتهي المتكلم، وهذا يدل على طول دراية وخبرة وتجربة..
كنت واحداً ممن رافقوه اثر دعوته الكريمة لي إلى “الجامعة الامريكية” في بيروت قبل عدة سنوات، وقد رفقناه وادخل السرور الى نفوسنا في الرحلة الراحل طيب الذكر السيد عقل بلتاجي، كنا على متن طائرة السيد محمود ملحس الخاصة مجموعة من اصدقائه الى بيروت، ومن هنا الى مبنى الجامعة الامريكية.. وقد سألته، لماذا نأتي الى هنا في معيتك؟ فقال: حين نصل سترى. وبالفعل كان لنا استقبال حافل، توجهنا فيه مع الادارة الى إحدى القاعات في الجامعة وقد كتب على بابها “قاعة محمود ملحس” وجرى تقديم مقص له يقص شريط الافتتاح ، كنت ما زلت لا أعلم شيئا الى ان جاءت كلمة الترحيب والتهنئة من مسؤول الجامعة الذي فهمت من كلمته ان السيد ملحس كان طالبا في الجامعة قبل أكثر من خمسة عقود، وانه في احدى السنوات لعلها الاخيرة لم يكن يملك دفع القسط وقد وجهت له الادارة انذاراً يهدد تخرجه الذي اقترب..
وعرفت ان الادارة استدعته لتخبره وانه مثل بين يدي المسؤول وهو يحتسب ما سيحدث معه.. ويبدو انه كان مرتبكاً، وكان عند المسؤول ضيف امريكي يجلس ، وحين بلغ السيد محمود بتعليمات المسؤول طالب بالامهال، واثناء النقاش تدخل الضيف الجالس مستفسرا وابدى استعداده ان يدفع عنه حتى يتخرج، وبالتالي يسدد للجامعة، حينها انفرجت اسارير السيد ملحس وشكر الضيف والادارة بعد ان تعهد بذلك، وتخرج ومضى للعمل في المملكة العربية السعودية، ونال مواقع متقدمة نتيجة كفاءته واخلاصه، ولكنه لم ينس اللحظات الصعبة التي كان واجهها، ولم ينس ان هناك طلاب مثله قد يواجهون.
ومضت عشرات السنوات الى ان جاء الوقت واراد ملحس اشهاد اصدقائه على موقفه، فاصطحبهم الى الجامعة ليوفي دينا قليلا بسداد كثير..
لقد تبرع المحسن ملحس للجامعة التي احتضنته وطلاب كثيرون مثله بمليون دولار، فاسموا القاعة باسمه ،وما زالت تحمل الاسم، واقيم حفل بسيط، انتقلنا بعده الى الغداء في مطعم برج الحمام على البحر، ومن هناك عدنا ادراجنا الى عمان..
كنت احس بالذهول لمثل هذا الصنيع، فالشاب العصامي لم ينس و ردّ المعروف باضعاف مضاعفة، وأقر بفضل الجامعة التي قدرته على صنيعه الذي جاء اليها في وقت صعب كانت بحاجة الى التبرع.. لم يطلب مني السيد محمود الكتابة عن ذلك، وقد لا يرضيه ذكر افعال الخير التي يقدمها، لكنني عمدت الى ذلك لأن هذا الصنيع قليل أهله والرجل واحد منهم..
اما المناسبة الثانية ، فقد اصابت رجل منكوب يقف عاجزا خلف عربة خضار يطالب 20دينار ليضع عليها خضارا يبيعها وسط تهديد بتحطيم العربة الصغيرة “البسطة”، وقد نشرت الصورة في موقعي ، واذا بصاحب الفضل يتصل، كان على الخط السيد محمود ملحس الذي قال: كيف يمكن ان اساعد هذا الرجل في شراء عربة؟ وان تكون فيها خضار ايضا؟ وقد شرحت له الحادثة التي قرأها .. ثم أرسل نقوداً للرجل، وقد قال: ارجو ان تمكنه من ذلك ، فشكرته واستدعيت الرجل الذي ملأ المكان دعاءً هو وزوجته واطفاله الصغار جدا، وقد سجل الرجل الذي سألت عنه ان حياته قد سلكت وانه كسر حلقة الجمود التي عاشها قبل ان تصله المساعدة..
من المؤكد ان في جعبة محمود ملحس قصصا كثيرة شبيهة، لكنه لا يريد ان تذكر، وفضل الرجل يصل الى كل محتاج حين يقتنع بحاجته، فهو لم يقصر في مساعدة مريض او محتاج لعلاج او دواء، وقد ظل صاحب نخوة (نخوتلي) ومبادرة واريحية لا يبغي من ذلك جزاء او شكراً..
اردت ان أضيء هذه الوقائع الصغيرة، اما الوقائع الاخرى الكبرى في التبرعات والمسؤولية الاجتماعية فييعرفها الكثيرون ولست بحاجة لذكرها.. طالما اراد السيد ملحس ذلك..
ويبقى ان اقول ان الله الذي سخر للسيد ملحس من يساعده ذات يوم سخره نفسه لأن يساعد الناس، وهو احساس طيب جميل لا يدركه الا من يصنعه ويرى البشرى او السرور على نفوسهم ما جرت مساعدتهم…
ادعو الله ان يحفظ هذا الرجل ليظل فضله قائماً ويده العليا ممدودة، فقد تأثرت بطيب صنيعه واستجابته التي لا تتجاوز النداء الاول له، املاً ان يقلده الذين يستطيعون وهم كثر وبعضهم فعل ما يفعل على أمل ان يفعل الاخرون كما فعل.
إلى محمود ملحس صاحب النخوة !!
17
المقالة السابقة