اتفاق الإطار للحل الانتقالي ليس سوى “محطة تشاؤم فلسطينية” على حد تعبير عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ولا أملَ في “نتائج عملية” قد تتمخض عنه حتى لو قبل به الطرف الفلسطيني وهو أمرٌ مُستبعد على كل حال، فالفلسطينيون لن يقعوا هذه المرة في الكمين “الإسرائيلي”، ولن تحظى “إسرائيل” بالبصمة والتوقيع الفلسطيني هذه المرة في لحظات حرجة لا يستطيع أي قائد فلسطيني مهما علا شأنه أن يرضخ لما هو مطروح نظراً لنتائجة ومنعكساته المُدمرة على عموم الحالة الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني بشكل عام.
فالطرف “الإسرائيلي” ما زال يُصّر في مضمون اتفاق الإطار والحل الانتقالي ومشروع “الترتيبات الأمنية” على “عدم ذكر الانسحاب النهائي من الضفة الغربية حتى عشر سنوات، مع استمرار السيطرة الأمنية “الإسرائيلية” على مناطق غور الأردن على طول الحدود الأردنية الفلسطينية، وبقاء المجال الجوي خاضعاً للسيطرة “الإسرائيلية”، مع رفض إقامة ميناء جوي فلسطيني في الضفة الغربية، وأن يكون التفتيش على المعابر لهم في مقابل إجراءات شكلية للفلسطينيين، فضلاً عن طلبهم من الإدارة الأميركية لتزويدهم بمساعدات تكنولوجية وأجهزة إنذار مبكر وطائرات مراقبة خاصة”. وهو ما أعطى نتائجه بتوالد مناخات الرفض القوية التي تُسيطر على الساحة الفلسطينية ليس بتأثير فقط من الفصائل التي اعتدنا على موقفها الرفضاوي، بل حتى بتأثير كبير من قبل قواعد وكوادر وعموم هيئات حركة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية وتقود العملية التفاوضية.
وعلى الضفة الثانية، أي الضفة “الإسرائيلية” الداخلية فإن السجال واسع في الحلبة “الإسرائيلية” الداخلية عموماً واليمينية خصوصاً، وأصوات عتاة المتطرفين داخل حكومة نتنياهو تتزايد كل يوم من أجل المزيد من “لي عنق” الفلسطينيين وفرض المزيد من التنازلات عليهم، وخير الشواهد على ذلك نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة في “إسرائيل” والتي تشير إلى أن (80%) منهم لا يؤمنون بالتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وقد جاء ذلك في نتائج الاستطلاع الذي أجرته صحيفة “معاريف” ومعهد “ماجار موحوت” ونشرت نتائجه الأسبوع الماضي. حيث أكدت أيضاً نتائج الاستطلاع إياه أن (10%) فقط يؤمنون بالتوصل إلى اتفاق. كما الاستطلاع أن (73%) ليسوا على استعداد للتنازل عن وجود “الجيش الإسرائيلي” في الأغوار ضمن اتفاق سلام، وبالمقابل فإن (20%) منهم على استعداد لتقبل ذلك. ومن جانب آخر فإن قراءة نتائج الاستطلاع كاملة وتحليل محتواها يؤكد بأن هناك أغلبية “إسرائيلية” لا تثق بوزير الخارجية الاميركية جون كيري، وأن مبادرته لن تؤدي إلى اتفاق سلام، وذلك بالرغم من فجاجة الانحياز الأميركي ومضمون اتفاق الإطار العتيد المنحاز أيضاً لصالح الرؤية “الإسرائيلية” الصهيونية.
في هذا السياق، إن وزير الخارجية “الإسرائيلي” أفيجدور ليبرمان وهو من عتاة المتطرفين ومن أصحاب دعوات الترانسفير والتطهير العرقي والتي يُجاهِرُ بها وعلى الملأ، يقوم الآن بعملية إخراج لخطط ترانسفير ظلامية وغير مشروعة، ليكشف بذلك الوجه الحقيقي لحكومة نتنياهو، ويُعلن على الملأ أنه “لن يعمل على تأييد أي اتفاق سلام لا يتضمن تبادل سكان إلى جانب تبادل أراضٍ”. وبالطبع فإن التبادل الذي يشير إليه ليبرمان مدروس ومشخص تماماً ويهدف لإحداث عملية ترحيل لمجموعات كبيرة من السكان الفلسطينيين من أبناء الشعب الفلسطيني من مناطق داخل حدود 1948 وخصوصاً من منطقة المثلث إلى مناطق الضفة الغربية.
ويتسم تهديد أفيجدور ليبرمان بأهمية خاصة اليوم، لأنه يُشكّل نوعاً من الهروب إلى الأمام في مواجهة مقترحات التسوية ضمن مشروع “اتفاق الإطار والحل الانتقالي” المطروح بكل ما يحمله هذا الاتفاق من مكاسب للطرف “الإسرائيلي” على حساب الطرف الفلسطيني. مع الإشارة إلى أن مقترحات ليبرمان تغضب من جانب آخر أقطاب اليمين الأيديولوجي والقومي الصهيوني الرافضين لفكرة تقسيم مايسمى من قِبلهم بـ “أرض إسرائيل”، والذين يرفضون بالمُطلق مشروع حل الدولتين المتداول منذ أكثر من عقدين من الزمن، ومنهم وزير الداخلية، الرجل الثاني في الليكود (جدعون ساعر) الذي لم ينطلق في انتقاده للزير أفيجدور ليبرمان من وقوف إلى جانب حقوق الفلسطينيين من أبناء الداخل المحتل عام 1948 بقدر ما انطلق من موقفه الأيديولوجي الراغب في عرقلة أي عملية تسوية مع الطرف الفلسطيني، ورغبته في التأكيد على شعار التداول الراهن في الحلبة السياسية “الإسرائيلية” والمعنون بـ “يهودية الدولة”، وأرض “إسرائيل” الكاملة.
لقد كان من الطبيعي أن يُرَدُ على دعوات أفيجدور ليبرمان التي أثارت أجواء فعلٍ غاضبة في أوساط فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، أولاً لأنه يضعهم، وهم أبناء البلد وأصحابها الشرعيين، في موضع واحد مع الكتل الاستيطانية الاستعمارية الإجلائية المقامة فوق الأراضي المحتلة عام 1967، والتي قامت على اغتصاب أراضي أبناء شعبهم في القدس والضفة الغربية. وثانياً لأنه يحاول إعادة إنتاج نكبة جديدة بحقهم. فأفكار أفيجدور ليبرمان تُنبئ عن نوايا ومشاريع بالتسبب بـنكبة ثانية لفلسطينيي الداخل عام 1948، عندما يعتبرهم (الأخير) كبيادق شطرنج يمكن تحريكها من هنا إلى هناك على حد تعبير النائب العربي في الكنيست ورئيس القائمة الوطنية للتغيير الدكتور أحمد الطيبي.
وخلاصة القول، هناك اعتمالات كبيرة تجري الآن وعلى نارٍ خافتة في مسار العملية السياسية بين الطرفين الفلسطيني و”الإسرائيلي”، من أجل تمرير اتفاق الإطار “العتيد” المُقدم أميركياً والمزكى “إسرائيليًّا” وبالتوافق التام بين الطرفين، وعلى الأرجح فإن الحالة الفلسطينية الرسمية لن تستطيع أن تقبل به، أو أن تتبلعه في ظل ظروف داخلية فلسطينية معلومة ومرصودة باتت تسيطر على مناخات الداخل في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وعلى أجواء عموم قوى وفصائل العمل السياسي الفلسطيني بالرغم من حالة الانقسام الداخلي في البيت الفلسطيني.
علي بدوان/“إسرائيل” واتفاق الإطار
15
المقالة السابقة