عندما تسرق الاوطان تصبح الحياة بلا معنى” ، هذا ما غرد به راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية ، وهي تغريدة تعبر عن خيبة أمل وانهزام وقلة حيلة أمام ما جرى في تونس مؤخرا عندما سيطر قيس سعيد بمساعدة الجيش على السلطة .
كان العرب يتندرون بتونس على انها الأنموذج الذي يجب أن يحتذى في بلدان الربيع العربي ، وكان يضرب بها المثل في وعي الطبقة السياسية والمواطنين بأبجديات العمل السياسي وبتداول السلطة والحوار ، إلى أن فوجئ المراقبون بما وقع في تونس مما يسميه البعض انقلابا ، وما يعتبره آخرون قرارات دستورية ضرورية كان لا بد من اتخاذها بعد أن انحدرت الحال بالمواطن التونسي إلى الحضيض .
عاشت تونس في الاشهر الستة الاخيرة ، حالة التباس وفوضى وجمود قاتل ، فلا البرلمان الذي يسيطر عليه الغنوشي وحزبه خضع للرئيس ، ولا الرئيس قبل بترشيحات البرلمان وأسماء الوزراء ، ووفق ما اتضح لاحقا، فقد طبخها الجيش مع رئيس منتخب شعبيا كأفضل طريقة لتمرير الأمر ، وبالفعل ، تم تفعيل المادة 80 من الدستور بقوة واقتدار دون ان يتمكن الغنوشي الذي هدد بالنزول الى الشارع من فعل شيء سوى الوقوف أمام البرلمان المغلق مطالبا بفتحه ، إلى أن عاد القهقرى إلى بيته أو مقر حزبه يجر أذيال الخيبة ، وكان قد غرد بما استهللنا به مقالتنا عن أن ” الحياة تصبح بلا معنى عندما تسرق الأوطان ” .
مشكلة الغنوشي وحزبه ” النهضة ” أنهم لم يتعلموا من غيرهم ، واستمروا بنفس الأخطاء القاتلة على طريقة ” الجعجعة ” التي لا تنتج طحينا ، معتقدا هو ومنظر حزبه ” السابق ” عبد الفتاح مورو بأن التخلي عن المبادئ وخلعها بالقطعة على طريقة الستربتيز(Srtiptease) ، والقفز على الثوابت وإلغاء أحكام آيات في القرآن الكريم ” آيات الإرث وغيرها ” ولبس البرنيطة والرقص مع العاريات والانغماس في مسرحيات تمثيلية كوميدية وغيرها من الصور الكاريكاتورية التي ظهر عليها مورو ” شاهده على اليوتيوب ” .. نقول : اعتقد الغنوشي ومورو والحزب أن هذا سوف يلمع صورتهم لدى الفرنسيين ولدى خصومهم العلمانيين وغيرهم في الداخل والخارج ، فكانت أولى النتائج التي لم تحسن النهضة قراءة رسالتها السياسية هي “رسوب مورو ” في الانتخابات الرئاسية ، قبل توالي الأخفاقات ، وليظهر للمراقب بأنه وبعد استفراد الجيش بالسلطة ، فإن كل تلك التنازلات ذهبت ” بين الرجلين ” وتمت الأطاحة بالحزب ليس سياسيا فقط بل بسمعته التاريخية وبالديمقراطية نفسها ، أما لماذا لم تتحرك قواعد النهضة وغيرها من معارضي استيلاء الجيش على السلطة فلأن ” الطبخة ” كانت جاهزة والقبضة مشدودة وصارمة ، ما جعل الغنوشي يظهر بهذا الضعف وهذه الصورة التي عبرت عنها تغريدته المنكسرة .
وبما أن سيطرة الجيش على السلطة في تونس جاءت بالتنسيق مع الاتحاد التونسي للشغل الذي يناهض ” النهضة ” ، بل وكما يقول البعض بمشاركته السياسية من خلال اتخاذه موقفا مؤيدا ضمنا ، فإن أي أمل بعودة الأمور الى ما كانت عليه كما يأمل الغنوشي وشيخه الراقص هو حلم يماثل حلم ابليس في الجنة ، ولكن الفرق هنا : أن ابليس يعلم حجمه الحقيقي وقد فر من الملائكة يوم بدر ، ولكن الغنوشي ومورو وحزبهما المهيض لا زالوا يحلمون ويحلمون ويغردون في زمن يتزاحم فيه التغريد والنعيق عبر أفق عربي ملبد بالاحزاب الفاشلة وبالعسكر والإنقلابات والدعس على الرقاب .