إذا كنا فهمنا جيداً، وفقاً لقناتي “المنار” و”او تي في”، فإن غارات الطيران الاسرائيلي مساء الاثنين لم تحصل داخل الأراضي اللبنانية. وإذ سارعت القناتان منفردتين الى تقديم هذه المعلومة “الدقيقة”، فإن معظم الأخبار أشار الى أن طيران العدو استهدف مواقع قرب جنتا والنبي شيت وبريتال، فأين تقع هذه القرى، في سوريا؟ لم يفد إعلام دمشق عن حصول أي انتهاك للسيادة السورية، التي يحرص النظام السوري عليها ويشترط احترامها لإدخال المساعدات الانسانية، بل يحرسها من أي رغيف خبز أو دواء أو بطانية يمكن أن تخترقها لتصل الى مناطق يحاصرها ويجوّع سوريين يقطنونها أباً عن جد.
إذاً، نستنتج أن النبي شيت وجنتا وبريتال ليست في لبنان ولا في سوريا، انها مناطق غريبة دخيلة في “لا مكان”. ولأن شيئاً ما يحدث فيها، فمن شأن سلطات البلدين أن تأخذ الأمر بجدية كما فعلت اسرائيل اذ ضربتها. وقيل أيضاً، للتمويه، أن الغارات استهدفت مكاناً ما في السلسلة الشرقية، فهذه الجبال فقدت أيضاً هويتها، فلو ذكر أنها لبنانية لاستلزم الأمر رداً من “المقاومة” وهي مشغولة و”مش فاضية لإسرائيل”! لكن “مصادر العدو” سرّبت أنها ضربت قاعدة صواريخ لـ”حزب الله” الذي يخوض حرب القلمون. وطالما أن العدو لم يؤكّد، ولا “حزب الله” يؤكّد، تكون الغارات كأنها لم تحدث.
في السياق فهمنا أيضاً أنه لم تعد هناك حدود بين البلدين. كان “نظام الوصاية” السوري أول من “بشّر” بذلك قبل زمن من تورّطه بنفسه، وما لبث “حزب الله” أن تبنى هذا الواقع معتبراً أنه لا “يتدخّل” خارج الحدود لأن ليست هناك حدود، ثم ها هي “جبهة النصرة” تشارك اسرائيل والنظام و”حزب الله” التمتّع بنعمة تلاشي الحدود. ومن بين هذه، وحده “حزب الله” ملتزم وطنياً (اذا بقي لديه معنى لهذه الكلمة) “ترسيم الحدود” في اطار ما سمي بـ “الحوار الوطني”. لكن نقض الالتزامات بات عنده نهجاً. فهو يرفض “اعلان بعبدا” المتوافَق عليه ويصرّ على ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” غير المتوافَق عليها. ونقل عن جبران باسيل، لا فُضّ فوه، أن “محاولة” ادخال “إعلان بعبدا” في البيان الوزاري “لن تنجح”. سنفتقد كثيراً كثيراً عدنان منصور.
من بين الاستغلالات الاعلامية، بعد التفجير الإرهابي الأخير في الهرمل وسقوط شهداء من الجيش، إليكم السؤال المريب الذي طرحته “المنار”: “اذا كان التبرير (للإرهاب) بوجود حزب الله في سوريا فهل الجيش اللبناني متهم بالمشاركة في سوريا حتى يُعتدى عليه”؟ أما “أو تي في” فاعتبرت أن الارهاب استهدف ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” التي صارت رباعية بزيادة “الحكومة” اليها اذ حرص الإرهاب على “استقبالها” بتفجيرين في أسبوعها الأول.