عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
أمضى السيد “منيب المصري” أكثر من ثلاثة ارباع القرن وهو يمسك بحقه وحق الشعب الفلسطيني في مقاضاة “وعد بلفور”.. ولم ييأس ان معظم دول العالم استسلمت للوعد، بل ان البعض منها وخاصة بريطانيا فرضته على فلسطين وانفذته بعد ان نكلت للفلسطينيين، ووضعت قوتها الانتدابية الاحتلالية الغاشمة في خدمته، وكذلك فعلت الولايات المتحدة الامريكية التي ساهمت انذاك بداية القرن الماضي في صناعة الوعد، رغم ما تحدثت ادارتها انذاك إدارة وودرو ويلسون عن حقوق الانسان..
منذ عام 1943 و”منيب المصري” يقارع الوعد ويؤمن باسقاطه وإدانة صانعيه، ولم يستطع الزمن الطويل ولا تقدم منيب في السن ولا هوان كثير من المناضلين عن القيام بذلك من النيل من ارادة منيب.. بل أنه مضى يقاتل وحيداً ولا يعدم مناصرين او متفهمين الى ان أدرك ان القضاء هو أحد أهم الوسائل حين تغيب القوة المادية.
“منيب المصري” اليوم يكسب قضيته التي بدأت من محاكم نابلس للتوجه الى محاكم العالم، وهو يتحمل الآن الانفاق على هذه القضية ويراها حقاً واجباً وفرضاً لا يجوز التراجع عنه او التسليم امام جبروت الطغاة..
من يقرأ المرافعات التي تسبب منيب في كتابتها واحداثها يذهل من حجم حق الفلسطينيين في ان يدينوا والوعد ويجردوه من الحق ويعيدوا العدالة.. “فلا يضع حق وراءه مطالب” وهذا ما آمن به منيب ومازال يؤمن..
لم يحتكر “منيب” واجب الدفاع عن الوطن الفلسطيني من الاصابة البليغة التي اصابت فلسطين من وعد بلفور، بل دعا شعبه وقادة شعبه لذلك وضرورة انخراطهم في مقاومة الوعد بداية، فمنيب يؤمن بانه.
لا تقطعن ذنب الافعى وترسلها ان كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا
قد لا تكون الاجيال السابقة وخاصة قياداتها التي تحالف بعضها مع بريطانيا على ادراك بأن لندن كانت العدو الاول لفلسطين انذاك، وأنها الداعم الأول للصهيونية ونشاطها في فلسطين، وتمكين الوكالة اليهودية من شراء الاراضي والاحتلال..
“منيب” اليوم يرى ان فلسطين من النهر الى البحر هي حق للفلسطينيين ان يقيموا فيها، وان ينتسبوا اليها وان تكون وطنهم ، مع عدم حرمان الاخرين من هم على تراب فلسطين من المشاركة ، وبالتالي يرى منيب أن لا فائدة من استمرار المطالبة بجزء من فلسطين تقام عليه الدولة التي لم يعد لها مكانة بعد استشراء الاستيطان واستمرار الاحتلال، ولذا فإن منيب يعاود المطالبة بما كانت “فتح” التي بدأت الكفاح الفلسطيني عمليا عام 1965 واستمرت في حماية المشروع الوطني الفلسطيني حتى اليوم، وقد كانت طالبت باقامة دولة علمانية واحدة من النهر الى البحر تجمع الفلسطينيين واليهود، حيث اصبح عدد الفلسطينيين في العالم الآن بعدد اليهود، وأصبح عددهم في فلسطين يفوق عدد اليهود بما يقارب نصف مليون نسمة.
“منيب” لم يعد يهمه الكلام الكثير الذي يدغدغ به العالم مشاعر الفلسطينيين، وهو يرى إمعان اسرائيل في احتلالها وفي نهج سياسة أبرتهايد العنصرية، بل اصبح يهمه اين نحن الآن من حقوقنا المشروعة؟ اين نحن من التقسيم الذي لم تأخذ به اسرائيل و حل الدولتين الذي مازالت ترهنه وتعمل على قتله..
الحل عند “منيب” هو في الدولة الواحدة التي لا يفقد الفلسطينيون منذ 1948 حقوقهم فيها..
منيب الذي بدأ الكثيرون ينتبهون الى عمله الوطني والى النتائج العملية الناجحة المترتبة عليه ازداد التفاف العديدين حول مطالبه ورأت أطراف عديدة في السلطة وفصائل العمل الوطني أن ما أنجزه منيب يستحق الاحتفاء وأنه نموذج في التعامل مع جذور القضية الفلسطينية، بعد ان ثبت ان سياسات الاحتلال تستهدف ان يتعامل الفلسطينيون دائما مع النتائج التي تفرضها اسرائيل من خلال احتلالها وليس مع جذر المشكلة التي تريد اسرائيل ان تحتكر التعامل معها حين تذهب الى روايات تاريخية ملفقة عن وجودها قبل ثلاثة الاف سنة..
اليوم وقد كسب “منيب المصري” وفريقه ومن يؤمن بطرحه جولات، وبقي امامه جولات فإنه يستحق الثناء والتأييد والمساندة والدعم بكل الوسائل المعنوية وان تجند مكاتب المحاماة والحقوقيين انفسهم في طابور العدالة الذي أنشأه منيب من فكرة ظلت حيّة في رأسه منذ عام 1947 وأعاد زراعتها وتعهدها واثبات حيويتها..
فإلى الامام يا “أبا ربيح” فقد تعلمنا منك انه “لا يضيع حق وراءه مطالب”