أجزم أن جميع الأردنيين يتفقون تماما مع الرؤية الملكية الواضحة لمفهوم سيادة القانون الذي يشكل أساس الدولة المدنية الحديثة التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في ورقته النقاشية السادسة في شهر تشرين الأول من عام ألفين وستة عشر وفيها كان تأكيد جلالة الملك وبحسب عنوان الورقة على أن “سيادة القانون أساس الدولة المدنية”.
وقد جاء في الورقة “”إن مسؤولية تطبيق وإنفاذ القانون بمساواة وعدالة تقع على عاتق الدولة” وأضاف جلالته “يتحمل كل مواطن مسؤولية ممارسة وترسيخ سيادة القانون في حياته اليومية” وبين جلالته حقيقة أن “البعض يظنون أنهم الاستثناء الوحيد”. ويؤكد جلالته على حقيقة مهمة وهي “إن سيادة القانون لا يمكن أن تمارس بانتقائية”، إن إنفاذ القانون يحتاج إلى إدارة حكومية كفؤة تعتمد مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أساسا في أسلوب عملها، ويؤكد جلالته أنه “لا يمكن لدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان أن تعمل خارج هذا الإطار” أي الدستور والقانون، “والتواني عن تطبيق القانون بعدالة وشفافية وكفاءة يؤدي إلى ضياع الحقوق”.
ولعل عدم قيام الحكومة وأجهزتها المختلفة بتطبيق القانون بعدالة ومساواة وشفافية، أو قيامها بتطبيق القانون بانتقائية سببا رئيسا من أسباب غياب الثقة بين الحكومة والمواطنين. واعتقد أيضا أن بعض المواطنين لا يدركون حقوقهم الدستورية واشتراطاتها وما يترتب على هذه الحقوق من واجبات، الأمر الذي يجعلهم في كثير من الأحيان يرون في إجراءات الحكومة بإنفاذ القانون تعدياً صارخاً على ما يعتبرونه حرياتهم وحقوقهم في الوقت الذي يكون فيه المواطن يمارس هذه الحقوق خارج الحدود الدستورية والقانونية المسموح بها ويقوم المواطن بهذه الممارسات إما عن جهل بهذه الحدود أو أنه يتجاهلها.
تعد منظومة الحقوق والواجبات وحدة كاملة تشكل بمجملها أساسا للعلاقة بين الحكومة والمواطن. وتوضيح هذه العلاقة ووضعها في إطار ميثاق وطني لحقوق المواطن وواجباته يشكل في رأيي أساساً من الأسس المتينة التي تبنى عليها الدولة المدنية الحديثة. لذلك اقترح وضع ميثاق وطني لحقوق المواطن وواجباته يكون بمثابة نبراس يهتدي به المواطن والمسؤول لتوضيح علاقاتهما بعضهما ببعض أو علاقات المواطنين بعضهم ببعض.
الحاجة إلى ميثاق وطني لحقوق المواطنين وواجباتهم تنبع أيضا من المعطيات التالية:
أولاً- نص الدستور على حقوق وواجبات الأردنيين ووضع اشتراطات على هذه الحقوق لا بد من توضيحها بحيث لا تتعارض هذه الاشتراطات مع نصوص الدستور وروحه.
ثانياً- ضرورة إبراز هذه الحقوق والواجبات بوثيقة واحدة مستقلة تكون مرجعا للمواطن والمسؤول على حد سواء.
ثالثا: ضرورة أن تُظهر الوثيقة بوضوح أن مقابل كل حق للمواطن هناك واجب عليه أن يلتزم به.
رابعاً: إن بناء الدولة المدنية والأنموذج الديمقراطي كما حددته الأوراق النقاشية الملكية يتطلب بالضرورة معرفة المواطن لحقوقه وما يترتب على هذه الحقوق من واجبات تقتضيها مصلحة الوطن العليا.
فالدستور يؤكد على أن الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو الجنس أو الدين. كما يكفل الدستور حق التعليم والعمل ويضع اشتراطا على هذا الحق هو إمكانية الحكومة وقدرتها، ويؤكد أيضاً على أن الحرية الشخصية مصانة وأن الاعتداء على حقوق وحرية وحرمة الحياة جريمة يعاقب عليها القانون. كما يؤكد الدستور على حرية إقامة الشعائر الدينية وحرية الرأي والاجتماع وتنظيم النقابات والجمعيات وإنشاء المدارس الخاصة وتولي المناصب العامة.
وفي الوقت الذي أوجب الدستور على المواطنين دفع الضرائب حسب قدرة المكلف وحاجة الدولة للمال فقد ضمن الدستور حق المواطنين بالترشح والانتخاب ضمن أحكام القانون.
لذلك فإنني أرى أن “الميثاق الوطني لحقوق المواطنين وواجباتهم” يجب أن يتضمن المبادئ التالية:
1.الأردنيون متساوون ولا يجوز التمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو الجنس أو الدين.
2. لا يجوز أن تميز القوانين والأنظمة والتعليمات بين الأردنيين.
3. تكفل الحكومة استقلال القضاء باعتباره “حقا دستوريا” وتكفل توفير مقاضاة عادلة لجميع المواطنين بدون تمييز. ويتوجب على المواطن اللجوء إلى المحاكم لتسوية نزاعاته مع الآخرين.
4. الجنسية الأردنية حق يطلب حاملها بموجبها حماية الدولة. وتلزمه أيضاً بالقبول بنظام الحكم كما حدده الدستور وبجميع مواد الدستور والقوانين والأنظمة والتعليمات النافذة. كما تلزم حاملها بالدفاع عن أمن الوطن وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم المجتمعي.
5. أ- حرمة المساكن وعدم جواز دخولها لأي سبب من الأسباب وفي جميع الأحوال والظروف الاجتماعية والسياسية إلا في الطرق المبينة في القانون.
ب- الاعتداء على المساكن لأي سبب من الأسباب جريمة يعاقب عليها القانون.
6. عدم جواز إبعاد الأردني عن دياره ولا يجوز أن تحظر إقامته في جهة ما من البلاد أو يمنع من التنقل أو يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون.
7. أ- صون حرية الرأي والتعبير والنشر وحرية تشكيل الجمعيات والنقابات وكذلك الحرية الشخصية واحترام الرأي الآخر واجبة.
ب- لا تشمل حرية الرأي بث أو نشر الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة أو التشهير بالأشخاص الطبيعيين والعاديين أو الاعتداء على خصوصية الأفراد وتعتبر جميع هذه الأفعال جريمة يعاقب عليها القانون.
8. ضمان مبدأ سمو القوانين على جميع العادات والأعراف والتقاليد الاجتماعية ولا تعتبر جميعها بديلا عن القانون. ويمكن العمل بها إلى المدى الذي لا يتعارض مع القانون بل تساهم إيجابيا في تطبيقه.
9. تكفل الحكومة كرامة المواطن واحترام خصوصيته ويتوجب على المواطن احترام خصوصية الآخرين ضمن أحكام القانون.
10. تكفل الحكومة حق التملك وحماية الأملاك الخاصة والعامة وتوجب على المواطن عدم الاعتداء على أملاك الآخرين أو أملاك الدولة.
11. تكفل الحكومة حق التعليم ضمن إمكانياتها وواجب المواطن احترام المعلم، والمحافظة على المدرسة والمساهمة في نشاطاتها.
12. أ- تكفل الحكومة حق العمل ضمن إمكانياتها.
ب- يقسم العمل إلى التوظيف في الأجهزة الحكومية المدنية والتجنيد في الأجهزة العسكرية والأمنية، والتشغيل في مؤسسات القطاع الخاص، والتشغيل الذاتي.
ج- تكفل الحكومة المساواة والعدالة في التوظيف والتجنيد حسب حاجتها وتعتمد مبدأ تكافؤ الفرص.
د – تكفل الحكومة حق تولي كل أردني المناصب العامة وتلتزم بأن يتم التعيين على أسس الكفاءة والمؤهلات وتكافؤ الفرص.
ه- تعمل الحكومة على توفير البيئة الملائمة للتشغيل والتشغيل الذاتي.
و- واجب المواطن القبول بفرص العمل المتاحة والعمل بجدية وإنتاجية عالية والمحافظة على بيئة العمل والعمل بروح الفريق الواحد.
13. تكفل الحكومة حق العيش في بيئة نظيفة وآمنة ضمن إمكانياتها حفاظاً على صحة المواطن وسلامته ويتوجب على المواطن الالتزام بحماية البيئة والمحافظة على نظافة البيت والحي والمدينة والقرية والريف والبادية والمخيم.
14. تكفل الحكومة حق ممارسة الشعائر الدينية ويتوجب على المواطن احترام حقوق الآخرين بإقامة الشعائر الدينية واحترام دياناتهم ومعتقداتهم.
15. تكفل الحكومة حق الانتخاب ويتوجب على المواطن المشاركة في الانتخابات والتصويت من وحي الضمير للمرشح الأقدر على خدمة الوطن ومصالحه الوطنية العليا.
16. تلتزم الحكومة بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين ضمن إمكانياتها من خلال إقامة المراكز الصحية والمستشفيات في جميع أنحاء المملكة وفق معايير معتمدة، كما تلتزم بتوفير الخدمات الصحية للمواطنين بعدالة وبجودة عالية بدون أجر حسب مقتضى الحال.
الأردن اليوم أحوج ما يكون إلى قيام كل مواطن بواجبه نحو وطنه بكل همة واقتدار، فعصر الدولة الراعية أو الرعوية في طريقه إلى الزوال، إذ لا يمكن لأي دولة مهما عظمت مواردها أن تقدم لجميع مواطنيها كل الخدمات والرعاية والدعم المالي. وفي مواجهة هذا الواقع الجديد المقبل لا بد من إيجاد توازن بين إمكانيات الدولة وطلبات رعاياها ولا يوجد معيار أفضل من معيار الحقوق والواجبات لتحديد الممكن في علاقة الحكومة مع المواطن، ما دامت هذه العلاقة مستندة إلى الدستور وأحكامه.