عروبة الإخباري – بدأت أعمال مؤتمر فيلادلفيا الرابع والعشرين بعنوان: الفلسفة في اللغة والفنون والعلوم الإنسانية الثلاثاء 18/5/2021، الساعة الحادية عشرة صباحا بحلسة افتتاحية رحب فيها الأستاذ الدكتور مروان كمال بالمشاركين والحضور وأعلن عن ابتداء أعمال المؤتمر مثمنا الدور الذي يقوم به الباحثون والأكاديميون في مشاركاتهم وجهودهم في الفكر والعلوم، وأن جامعة فيلادلفيا ملتزمة برسالتها العلمية والحضارية على المستوى الوطني والعربي والإنساني. من جهته أكد رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور معتز الشيخ سالم على استمرار مؤتمر فيلادلفيا ليكون علامة فارقة في مجال البحث العلمي، مشيرا إلى أن جامعةُ فيلادلفيا تحرص حرصًا واعيًا على البحث العلمي ودعمِه وتطويرِه من خلال هذه المؤتمرات العلمية المتخصّصة، فتدعمُها وتحافظ على استمرارِها، وتحرص من خلال عمادة البحث العلمي على تحكيمِ أوراقِها ونشرها في كتب متخصّصة، وفي طليعتها منشورات مؤتمِ فيلادلفيا الدولي التي يعرفها كثير من الباحثين والقراء. وتشكّل إصدارات هذا المؤتمر منذ سنوات طويلة مصادر ومراجع مهمّة في المكتبة العربية، وتضم عناوين يطلبها القراء والمهتمون، مثل: الحرية والإبداع، الحداثة وما بعد الحداثة، الثقافات الشعبية، استشراف المستقبل، ثقافة المقاومة، الخطاب النسوي في الوطن العربي، وغير ذلك من إصدارات مهمة تحمل عناوين ومضامين مفيدة نافعة للقراء والباحثين.
وفي الجلسة التي أدارها الدكتور يوسف ربابعة، قال رئيس اللجنة المنظمة وعميد كلية الآداب الأستاذ الدكتور محمد عبيد الله: إن مؤتمرنا في هذا العام يعنى بالفلسفة وصلتها بالآداب والفنون والعلوم الإنسانية، والفلسفة كما تعلمون مهملة في بلادنا إلى حد كبير، مهملة في مناهجنا الدراسية على المستوى المدرسي والجامعي، ولا تحظى بالاهتمام الذي يليق بها، ولعل تهميشها وإهمالها ليس بريئا في عالم اليوم، العالم الذي يريد فرض ثقافة الطاعة لا ثقافة السؤال والمشاركة، وأكد أن الفلسفة ليست علما يدرس، ولكنها أبعد من ذلك إنها أساس الحوار وانفتاح العقل على المختلف. لها مكانتها التأسيسية في أكثر العلوم الإنسانية وفروع الآداب والفنون. فما من أدب حقيقي دون فلسفة، ودون تأمل يجابه الأسئلة الكبرى، وما من فن حقيقي مؤثر مغير دون فلسفة تقف وراءه وتطور معناه ومبناه. الفلسفة هي أم العلوم الإنسانية، وقلبها وروحها، وهي أهم محرك لتطوير العلوم والفنون، بحرصها على إثارة الأسئلة وثقافة الأسئلة، هذه الثقافة التي ما زلنا نفتقر إليها إلى حد كبير.
وفي الجلسة العلمية الأولى التي جاءت لتؤسس لموضوعات المؤتمر وتقدم مدخلا مفاهيما، أشار مدير الجلسة الأستاذ الدكتور غسان عبدالخالق إلى أن الفلسفة هي أم العلوم وهي المحرك للعقل والنقد، وأن حالتنا اليوم أحوج ما تكون لمراجعات فلسفية عميقة، وقد شارك في الجلسة الدكتور أحمد مداس من الجزائر بورقة بعنوان: فلسفة التأويل في المنظومات المعرفية المشتركة؛ قراءة في المنجز اللساني والنقدي المعاصر، مشيرا إلى أن الفكر الكوني يقع على الاشتغال المباشر على المنظومات المعرفية المشتركة من دون فصل عرقي أو جغرافي، بما تبيحه المعارف في حياة الإنسان من إشاعة للمعرفة من منطلقات ذاتية وأخرى موضوعية، تجعل الطبيعة المعرفية إنسانية أكثر منها عرقية أو جغرافية. وأن الانفتاح على نظريات التأويل الغربية الحديثة بوصفها دوائر معرفية تتقاطع بحكم الممارسة، وتصنع نموذجا معرفيا معاصرا يبتعد قدر الإمكان عن الانتماء والتموقع، ليظهر نشاطا معرفيا إنسانيا شاملا، لا على سبيل الانتماء، ولكن على سبيل تشكّل المعرفة الكونية القائمة على الانفتاح والتلاقح والتنمية والتطوير المعارفي. ومن هنان يصبح من المهم طرح الأسئلة الموضوعية، هل نظريات التأويل الحديثة تتكامل أم تتعارض؟ فإذا كانت تتكامل وسلمنا بذلك جدلا؛ فهذا يعني أنّ نقصا يعتري بعضها فيكمله البعض الآخر. وهذا وجه. والوجه الثاني أن يكون لكل أصل معرفي في المدرسة اشتغال ما تأخذ منه المدرسة توجهها، فيظهر الاختلاف والتباين داخل القصد الأصلي وذلك من قبيل التأويل الهرمسي أو التأويل الغنوصي.
ومن المغرب شارك في الجلسة الدكتور الحسن أسويق بورقة بعنوان: الأسس الفلسفية للمناهج الكمية والمناهج الكيفية في علم الاجتماع، حيث ركز على التمييز بين البحث الكمي والبحث الكيفي، وأنه لا يعتبر ببساطة مسألة تتعلق بالمداخل المختلفة لعملية البحث، لكل منها مناهجها الخاصة؛ وإنما تتعلق بوجهات نظر متناقضة حول القضايا الجوهرية والمداخل النظرية التي يتم الانطلاق منها في تناول موضوعاتها، وأننا أمام طريقين مختلفين لإنتاج خطاب علمي حول نفس الواقع؛ أي أمام عقلانيتين منهجيتين مختلفتين: التمامية المنهجية من جهة والفردانية المنهجية من جهة أخرى. كما أشار إلى أن بحثه يسعى لبيان الخلفيات الفلسفية للخصومات المنهجية في علم الاجتماع محاولين الكشف عن مسوغات هذه الخصومات انطلاقاً من نموذج إميل دوركايم (ممثلاً للمنهج الوضعي)، وماكس فيبر (ممثلاً للمنهج التفهمي)، مع التركيز بشكل خاص على المنهج الأخير.
كما شارك الدكتور عبدالقادر أزداد من الجزائر بورقة بعنوان: فلسفة الذهن والسيكولوجيا المعرفية، إذ بين أن ثورة معرفية كبيرة قد حدثت داخل علم النفس في الخمسينيات من القرن الماضي، وعرفت تأسيس حقل معرفي جديد يهتم بالكفاءات الإنسانية تشترك فيه مجموعة من التخصصات، أهمها اللسانيات المعلوميات، المنطق، علوم الأعصاب، والسيكولوجيا المعرفية، وفلسفة الذهن، وتم الاهتمام لأول مرة بدراسة الظواهر الذهنية عن طريق التشخيص بالمحاكاة، لخصوصيات الذهن الإنساني. إذ أصبحت السيكولوجيا أكثر قربا من الظواهر الدقيقة أكثر من ذي قبل. كما أن بروز مبحث داخل السيكولوجيا يسمى بنظرية الذهن أو نظرية النظرية. فتح أفاقا جديدة داخل علم النفس المعرفي قادت إلى التقاطع العلمي مع النظرية الفلسفية.
وفي الجلسة الثانية التي أدارتها الدكتورة عرين خليفة، وناقشت محور الفلسفة واللغة والأدب، شارك من الجزائر الدكتور رابح بوشعشوعة بورقة بعنوان: الفلسفة اليونانية وتأثيراتها في الدراسات اللغوية والنقدية: دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني أنموذجا، وأشار فيها إلى أن أهم قضية دارت حولها الدراسات الحديثة وهي أن النقاد والبلاغيين العرب المسلمين تأثروا إلى حد بعيد بالفكر الفلسفي الوافد (اليوناني خاصة)، وتساءل: هل حقا تأثرت تلك الجهود النقدية والبلاغية القديمة بالفكر الفلسفي الوافد؟ وإن كان هناك تأثر فما هي أهم مظاهر هذا التأثر وما هي أهم تجلياته في هذه الجهود؟. ويرى أن هذه الأحكام ليست دقيقة وبخاصة في الحديث عن علم البلاغة.
وشاركت من الجزائر الدكتور عالمة خذري بورقة بعنوان: السؤال الفلسفي في شعر المعري، وتقرر أن السؤال الفلسفي يشكل في شعر المعري تجربة شعرية مثيرة تميز بها عن شعراء العرب شغله فيها مسألة العقلانية وطرائق التعبير عن الذات وما تعانيه من ألم الوحدة والعمى، بين فيها اشتغال العقل في مضامير منطقية ولسانية وبلاغية وأصولية وفلسفية. وتمثل هذه الثقافة معلما بارزا في الفكر العربي والإنساني، وقد نوه إلى ذلك الدكتور طه حسين في كتابه ” تجديد ذكرى أبي العلاء “، حيث التقط فيه بدقة روح إنجاز أبي العلاء الأدبي والفلسفي.
ومن فلسطين شارك الدكتور حسين حمزة بورقة بعنوان: أسئلة المعرفة في شعر محمود درويش، خلص من خلالها إلى أن القارئ لشعر درويش يلمس أسئلة المعرفة والكينونة والوجود في العديد من قصائده. كما أن الحضور والغياب موتيفان أساسيّان في شعره يرتبطان بمفهوم الكينونة بحسب هايدجر. وهو يتعامل مع هذه المصطلحات ببعدين: العام والخاص، فيتداخلان في نسيج القصيدة لتشكيل المعنى. وفي قصيدة “أوديب” من مجموعة “هي أغنية، هي أغنية”، 1986 طرح للصراع بين حدود المعرفة للذات وبين الحقيقة في الواقع. وسنحاول في هذا البحث أن نقف على هذين المفهومين من خلال القول الشعري، وما يمتاز به من جمالية شعرية.