لا تزال المعارضة السورية تتخبط في جنيف، وتخوض عملية تفاوضية غير متكافئة على الإطلاق، وهو ما دفع المتحدث باسم الائتلاف السوري المعارض إلى الإعلان عن الشعور بالإحباط من الرعاة “أمريكا وأطراف عربية” بسبب الفشل في الضغط على نظام الأسد لتقديم “تنازلات” تقود إلى تشكيل “الهيئة الانتقالية”.
يبدو أن المعارضة السورية تغفل عن قراءة مدلولات ما يقوله أركان نظام الأسد الإرهابي، فنائب وزير خارجيته فيصل مقداد أكد المعادلة بقوله: “يتوهم الآخرون أنهم قادرون على حل كل المشاكل عبر إقامة هيكل وفق هذا الشكل أو ذاك وتسليمهم مفاتيح سورية”.
كلام مقداد واضح ولا يحتاج إلى تفسير أو معاجم لغوية، فهو يقرر “لن نسلم مفاتيح سوريا”، وزاد على ذلك بوصفه المعارضة بأنها “مسخ” عندما قال: “ما رأيناه في جنيف هو مسخ للمعارضة السورية وحتى للائتلاف بالذات، والأمريكيون الذين قاموا بترتيب ورقة المعارضة فشلوا فشلا ذريعا، لأنهم لم يحصلوا على معارضة، بل على حفنة من الأشخاص لا يمثلون أكثر من أنفسهم”، وهذا يعني أن نظام الأسد لن يسلم هذه المفاتيح إلا بالقوة وما عدا ذلك أوهام وأضغاث أحلام ليس إلا”.
في المقابل فإن المعارضة تبدو مشوشة ومغلوبة على أمرها وتلويحها بالانسحاب من المفاوضات مجرد ” تهديد أجوف”، إذا لم يتبع ذلك إجراءات تبرهن على قوتها، فهي دخلت في المصيدة استجابة للضغوط والاعتماد على الوعود الوهمية من هذا الطرف وذاك، وتحولت إلى “رهينة” للدعم المالي لأطراف لا يهمها إلا ترتيب الأوضاع حسب مصالحها وحساباتها. وهو تهديد لا قيمة له من الناحية العملية إلا إذا أقدمت هذه المعارضة على خلط الأوراق بالكامل، وقلب الطاولة على رؤوس الجميع، فلا يجوز أن تستمر المفاوضات في الوقت الذي يستمر فيه نظام الأسد بقتل السوريين وسفك دمائهم، وهذا يتطلب من المعارضة “العودة إلى القواعد”، أي إلى الثوار على الأرض، وفض “مولد جنيف” قبل أن يتحول إلى “أوسلو ثانية” تضيع فيها سوريا كما ضاعت في الأولى فلسطين.
وهذا يتطلب إعادة ترتيب الأولويات وضبط الحالة وحل الخلافات بين مكونات المعارضة والاتفاق على برنامج عمل موحد والاعتماد على القوة العسكرية كمرجعية وحيدة في قرار للتفاوض، ورفض الضغوط ” الأمريكية والأوروبية والعربية” للتوصل إلى “أي حل ممكن!!” بعيدا عن مطالب الشعب السوري بإسقاط النظام الأسدي كله وليس مجرد أفراد منه، أو تقاسم السلطة.
منذ بداية المفاوضات نهاية الشهر الماضي وحتى الآن قتل نظام بشار الأسد الوحشي أكثر من 1837 شخصا من بينهم 270 طفلا، وألقى ما يزيد على 550 برميلا متفجرا على المدن والقرى السورية، إضافة إلى استمرار الحصار والتجويع والقصف الجوي والتدمير الشامل، فأي قيمة لهذه المفاوضات التي قتل فيها المئات من الناس في أقل من أسبوعين؟
حقيقة الأمر أن لا قيمة لهذه المفاوضات، بل يمكن اعتبارها ضربا من العبث مع استمرار سفك الدماء بهذه الكثافة وقتل الناس جوعا، فلا توجد مفاوضات بدون أساس تنطلق منه، والأساس هو أن تتوقف عمليات القتل والتجويع والحصار، والخروج من هذا المأزق يحتم على المعارضة الانسحاب من هذه “المفاوضات العبثية” وتركيز الجهود لدعم الجيش السوري الحر والفصائل المقاتلة على الأرض وتزويدها بالسلاح النوعي، فهذه الفصائل هي التي أجبرت نظام الأسد على الذهاب إلى جنيف وليس المعارضة، وهي الوحيدة القادرة على فرض وقائع جديدة على الأرض.
المعارضة السياسية السورية محاصرة بالضغوط العربية والدولية والتهديد بوقف التمويل من قبل “أصدقاء سوريا المفترضين”، وهي في وضع لا تحسد عليه، تماما كما حدث مع الثورة الفلسطينية، عندما أقنع العرب “القيادة الفلسطينية” بالتخلي عن السلاح من أجل المفاوضات، وفي النهاية لم يحصد الفلسطينيون سوى العلقم.
وإذا كان فيصل مقداد قد قرر أن نظامه “لن يسلم مفاتيح سوريا” فإنه لا يبقى أمام هذه المعارضة إلا انتزاع هذه المفاتيح بالقوة.. والقوة فقط.
سمير حجاوي/تسليم مفاتيح سوريا
13
المقالة السابقة