في ظل الحالة السائدة في سوريا، من المُهم دراسة واقع اللاجئين الفلسطينيين الموجودين فوق الأرض السورية منذ العام 1948، والإطلاع على الجوانب المُختلفة لأوضاعهم العامة من حيث النمو السكاني لهذا التجمع الفلسطيني وواقعه الاقتصادي والحياتي، خصوصاً وأن هذا التجمع باتَ منذ أكثر من عام مضى هدفاً مدروساً لمن أراد ويريد خلط الأوراق في مسار الأزمة السورية، وحرف البوصلة الوطنية للشعب الفلسطيني عن اتجاهها الحقيقي واستبدالها بزج الفلسطينيين في أتون عملية مُدانة لاعلاقة لهم بها لامن قريب ولا من بعيد، والوقائع الأخيرة خير شاهد على ما ذهبنا إليه في ظل الاستهداف الذي طال حتى الآن عدة مخيمات وتجمعات فلسطينية فوق الأرض السورية، كان منها مخيم حندرات شمالي مدينة حلب، ومخيمي السبينة والحسينية في ريف دمشق، ومخيم درعا، وكان أهمها مخيم اليرموك الذي يُعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني والتعبير الرمزي الساطع عن حق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين.
وعليه، يُعتبر المجتمع الفلسطيني في سوريا مُجتمعاً فتيًّا، تتسع قاعدته العمرية الصغيرة باطراد مع مرور الزمن بفعل عامل الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية، وظاهرة النمو (الأُسي) حيث يزداد أعداد أفراد المجتمع الفلسطيني في سوريا بمعدل شبه ثابت في وحدة الزمن (في المتوسط 3.5% سنويًّا)، ونتائجه في زيادة عملية الإنجاب والنمو الطبيعي لنسبة السكان، فنسبة (43,2%) منه دون سن الخامسة عشرة، ونسبة (62%) منه دون سن السادسة عشرة، لذا يتمتع اللاجئون في سوريا بكونهم مجتمعاً فتياً تَكبُرُ فيه قاعدة الهرم السكاني الممثلة بالأطفال والشباب ما قبل السابعة عشرة.
ففي التوزع العمري وفق أهرامات العمر يطغى طور الشباب، ويليه طور الإنتاج، وطور ما بعد الإنتاج. ويتحدد شكل الهرم السكاني لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بمسقط مثلثي على المستوي أشبه بالمثلث المتساوي الساقين ذي القاعدة العريضة، مما يترتب عليه تراجع نسبة القوة البشرية العاملة، وازدياد أعباء الأسرة والإعالة تجاه متطلبات الحياة اليومية الصحية والاجتماعية والتعليمية، أما نسبة كبار السن (65 عاماً وأكثر) فتكاد تكون (3,2%). ومن هنا يتمتع مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بخصوبة مرتفعة نسبيًّا وتكاد تماثل نسبة الخصوبة في المجتمع السوري وتعادل (7,35). وتحدد الخصوبة القدرة الإنجابية للمرأة الواحدة في سن حياتها الإخصابية، وتبلغ بالنتيجة (43) بالألف.
وتُعتَبَر التنمية البشرية بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تنمية بشرية متوسطة وفق مقاييس برنامج الأمم المتحدة، بينما حجم القوة البشرية بينهم بلغت بالمتوسط عام 2010 نسبة (54,5%).
إن مرد اتساع قاعدة الهرم العمري السكاني وطغيان الطور الشاب في الهيكل العمري للتجمع الفلسطيني في سوريا يعود إلى: ارتفاع معدلات الخصوبة الكلية للمرأة الفلسطينية في سوريا مقارنة حتى بالمرأة العربية بالأقطار المجاورة وبالحدود النسبية، مع التراجع الملموس خلال السنوات الخمسة الأخيرة “المحدود والمتدرج البطيء” لمعدلات الإنجاب تبعاً لتعقيدات الحياة الاقتصادية وضعف مردود الأسرة ودخول المرأة سوق العمل الإنتاجي. ومع هذا إن عوامل التأرجح في النمو السكاني للاجئين الفلسطينيين في سوريا لم تبرز على السطح بعد، ولم تسبب حتى بتجلياتها الأولية أية تغييرات حادة في النمو السكاني للفلسطينيين فوق الأراضي السورية.
من جانب آخر، كان لارتفاع نسب التعليم عند المرأة الفلسطينية في سوريا، ودخول العديد من الإناث في سن العمل سوق الإنتاج، وفق وتيرة متزايدة، الأثر الكبير في التراجع المحدود لمعدلات الخصوبة للمرأة الواحدة للعام الواحد.
كما يعود اتساع قاعدة الهرم السكاني لفلسطينيي سوريا لعدم وجود هجرة غير طبيعية (عدد الذكور 104 لكل 100 أنثى) أي أن نسبة الذكور تبلغ (51%) داخل مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وهي نسبة اعتيادية وطبيعية جداً في المجتمعات المستقرة. عدا عن وجود مقدرة حيوية على التزايد خلال وحدة الزمن بفعل وجود: مقدرة كامنة على التزايد، ومقدرة فعلية ضمن شروط وتحت ظروف الواقع المعاش.
إضافة لما تقدم، وصل العمر المتوقع عند الفلسطينيين في سوريا خلال الأعوام الأخيرة نحو (68.5) سنة للذكور، وحوالي (72.5) سنة للإناث. في حين يصل العمر في الدول المتقدمة إلى (78) سنة للذكور. وتعتبر هذه المؤشرات مهمة وضرورية لما تلقيه من رؤية لواقع التجمع الفلسطيني في سوريا. خاصة وأن العمر المتوقع للذكر والأنثى يحمل دلالاته بما يتعلق بدرجة تطور المجتمع ورقية، ودرجة استفادته من الخدمات المقدمة له بجوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية عبر وكالة الأونروا، والحكومة السورية والجهات الفلسطينية المعنية.
وبالنسبة للقوة البشرية بين الفلسطينيين في سوريا فتبلغ (63,8%) من إجمالي المجموع المقدر في نهاية العام 2010، وهي تتفاوت بين الذكور والإناث. وتتألف القوة البشرية من قسمين: فئة من هم خارج قوة العمل لكنهم لا يعملون ولا يرغبون بالعمل كالطلبة والمتقاعدين وربات البيوت والذين يعيشون من إيراد استثماراتهم. والفئة الثانية فتضم فئة قوة العمل ذوي النشاط الاقتصادي. مقابل ذلك بلغ معدل النشاط الاقتصادي الخام للاجئين في سوريا نحو (28.9%). والغالبية تعمل في القطاع الحكومي السوري وبشكل رئيسي في الخدمات العامة التي تتضمن قطاع التعليم والصحة والأعمال الوظيفية وغيرها. كما أن هناك نحو (74%) من إجمالي العاملين الفلسطينيين في سوريا يعملون بشكل دائم في حين لا تتعدى نسبة المشتغلين بأعمال موسمية أو متقطعة نحو (26%).
وبالنسبة لمؤشرات التنمية البشرية وسط مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا فقد دلت المعطيات والإحصائيات المتوفرة بأن التنمية البشرية متوسطة لديهم وفق المقاييس الدولية لمنظمات الأمم المتحدة، شأنهم في ذلك شأن المجتمع السوري بشكل عام الذين اندمجوا فيه بشكل فعّال ومؤثر خصوصاً وأنهم من نسيج واحد اجتماعي ووطني وجغرافي وسكاني، وحافظوا وما زالوا يحافظون في الوقت نفسه على خصوصيتهم النابعة من خصوصية وفرادة الحالة الفلسطينية وتمسكهم بحق العودة.
علي بدوان/الفلسطينيون في سوريا: مؤشرات مهمة
17
المقالة السابقة