عروبة الإخباري – حملت زيارة ميدانية للرئيس قيس سعيد إلى الشارع الرئيسي في قلب العاصمة التونسية رسالة واضحة إلى راشد الغنوشي رئيس البرلمان مفادها أن الشارع هو الفيصل بيننا، وذلك كرد مباشر على تصريحات الغنوشي الأخيرة التي اعتبر فيها أن دور رئيس الجمهورية “رمزي وليس إنشائيا”، والتي فهمت على أنها دعوة إلى تهميش الرئيس سعيد.
وطالب المئات من الأشخاص الذين تجمعوا حول الرئيس سعيد، خلال جولته في شارع الحبيب بورقيبة، بحل البرلمان، وإنقاذ البلاد من الفوضى السياسية.
وهذه هي المرة الثانية التي ينزل فيها الرئيس سعيد إلى الشارع في الفترة الأخيرة، والتي يسمع فيها دعوات إلى حل البرلمان والأحزاب، في رسالة تؤكد أن الرئيس يريد أن يرد على الاستهداف البرلماني الأخير له بالتأكيد على شعبيته واقترابه من الناس والتحدّث إليهم، وإظهار أن الغضب الشعبي هو على الطبقة التي تحكم منذ 2011، وأنه سيواجه هذه الطبقة بوصفه رئيسا منتخبا من ثلاثة ملايين ناخب أغلبهم من الشباب والفئات الفقيرة.
ومنذ أيام شارك العشرات من الشباب، الذين تجمعوا بشكل تلقائي، في وقفة تضامنية مع الرئيس سعيد ضد ما اعتبروه “محاولات تشويه” يتعرض لها.
وجرت الوقفة أمام منزل سعيد بمنطقة “المنيهلة” غربي العاصمة، حيث نظمتها تنسيقية شبابية مستقلة، تأسست لمساندته في انتخابات الرئاسة عام 2019، ومازالت نشطة.
ورفع المشاركون في الوقفة لافتات كُتبت عليها شعارات “لكم الشرعية ولنا المشروعية” و”السلطة للشعب” و”قيس سعيد اختار طريق الله والأمانة والشعب والوطن”.
ويعتقد مراقبون تونسيون أن قيس سعيد يرد على استهانة الغنوشي بدور رئاسة الجمهورية بالعودة إلى الشارع لإقامة الحجة على الطبقة السياسية التي جاءت بعد 2011 وتحذيرها من تهميشه، لافتين إلى أن الرئيس كان يتحرك وسط الناس دون حواجز أمنية خلافا لما جرى في البرلمان يوم تمرير التعديل الوزاري، حيث تم تطويق المكان بالحواجز وسيارات الشرطة لمنع المحتجين الغاضبين من الاقتراب من البرلمان، وإسماع صوتهم المعارض للسياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ويعتبر المراقبون أن الغنوشي كان بتصريحه الأخير يهدف إلى استفزاز قيس سعيد، لكنه لم يتوقع أن ينجح الأخير في تحويل الاستفزاز إلى ورقة قوية بيده لإظهار شعبيته والتأكيد على أن حل الخلاف سيكون عبر الشارع الذي هو صاحب الشرعية الأول.
وباتت عدة جهات، سياسية وشعبية، تطالب الرئيس سعيد بالدعوة إلى استفتاء شعبي لحل الخلافات مع الطبقة السياسية الحالية، وخاصة الخلاف حول النظام السياسي.
ويرجح أن يختار الناخبون، فيما لو جرى الاستفتاء في مثل هذه الظروف، الانحياز إلى النظام الرئاسي والقطع مع النظام البرلماني الذي يقف وراء الفوضى التي تعيشها البلاد، وهو النظام الذي يدافع عنه الغنوشي ويريد أن يطوره نحو نظام برلماني كامل يجعل رئيس الجمهورية بلا دور.
وتكسب وجهة نظر سعيد ضد النظام البرلماني تأييدا واسعا في الشارع مع مرور الوقت بسبب الصراعات التي تجري في البرلمان بشكل يومي، آخرها ما جرى الثلاثاء، حيث تعطلت الجلسة الصباحية بعد الفشل في التوصل إلى إدانة العنف الذي يقف وراءه رئيس كتلة ائتلاف الكرامة ضد عبير موسي رئيسة كتلة الدستوري الحر.
والثلاثاء، أعلنت كتلة عبير موسى دخولها في اعتصام بالبرلمان، في محاولة لجلب توقيعات على عريضتها لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي.
ويقول محللون إن قيس سعيد من خلال زياراته الميدانية ومواقفه الواضحة بات يراكم المزيد من المكاسب في مواجهة رئيس حركة النهضة والأطراف التي تقف إلى جانبه.
كما أن الأمر قد خرج من مجرد الخلافات الجزئية إلى حالة من الصراع الواضحة ستنتهي إلى انتصار هذا الفريق أو ذاك، وأن كل حديث عن وساطات، كما تروج لذلك حركة النهضة، لا معنى له، وأن المعركة الآن هي معركة تكسير عظام.
ومن المتوقع أن تتسع دائرة الخلاف خلال المرحلة القادمة في ظل اعتراض الرئيس سعيد على أربعة وزراء جدد في حكومة هشام المشيشي، ويرفض أن يمثلوا أمامه لأداء اليمين الدستورية قبل مباشرة مهامهم، وتلوح النهضة بتمرير التعديل الوزاري حتى وإن لم يؤد هؤلاء القسم أمام الرئيس.
ويستفيد الرئيس سعيد من موجة الاحتجاجات الشعبية التي عمت عدة مناطق في البلاد، وخاصة في محيط العاصمة تونس، والتي تطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وتتهم الطبقة السياسية بالعجز عن تقديم الحلول. وفيما ارتفعت شعارات ضد رئيس الحكومة ورئيس البرلمان والأحزاب ظل رئيس الجمهورية بمنأى عن النقد لكونه بعيدا عن القرار التنفيذي الذي تحتكره الحكومة والحزام البرلماني الداعم لها.
وتعيش الحكومة أيضا تحت ضغط الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يهدد، في آخر بيان صدر باسمه مساء الثلاثاء، بالتصعيد ضد السياسات الاقتصادية للحكومة، خاصة تلويح وزير المالية علي الكعلي بالتخفيض في الرواتب.
كما هاجم بيان الاتحاد “استمرار الأزمة السياسية واستفحالها وبلوغها حدّا أصبح يهدّد كيان الدولة وأمن البلاد ومصيرها”، وهي ضغوط يقول مراقبون إنها خادمة للرئيس قيس سعيد في مواجهة خصومه، وخاصة الغنوشي باعتباره رئيسا للحزب الذي يقود الحكومة من خلال التحالف البرلماني.