وأخيرا انعقد مؤتمر جنيف وسمعنا بيانات شهود الحفل، بيانات تخفي وراءها الكثير من الأقوال والأفعال والشعب السوري يدفع الثمن دما وخرابا. النظام القابع في دمشق يعرف جيدا أنه لم يعد له مستقبل في سوريا وراح يدمر كل شيء في القطر السوري ولن يسلمها إلا حجرا على حجر. في تقديري إن مؤتمر جنيف صورة طبق الأصل من مؤتمر أو مداولات ” أوسلو ” قالوا نبدأ بالمسائل سهلة الحل تدريجيا إلى أن نصل إلى القضايا الجوهرية وهي اللاجئين، والمياه والقدس والمستوطنات وغير ذلك، وظلوا من عام 1993 وحتى اليوم لم ينتهوا من المفاوضات، إسرائيل تتوسع جغرافيا وتحاصر قطاع غزة بمعونة الانقلابيين في مصر العزيزة، والجغرافيا الفلسطينية تنكمش تحت أقدام الفلسطينيين، السؤال هل سنبقى حتى يقضي بشار الأسد على ما تبقى من سوريا؟
جنيف 2 الهدف منه انتقال السلطة إلى هيئة / حكومة لها كامل الصلاحيات لتدير الدولة وتمنع التمزق والتفتت وتحافظ على ما تبقى من البنية التحتية وتعالج الجرحى وتطلق سراح المعتقلين وكسر الحصار عن المناطق المحاصرة وعودة الذين أجفلوا من بيوتهم وقراهم من هول الحرب والبراميل المتفجرة والصواريخ المدمرة والعمل على عودة اللاجئين الذين خرجوا إلى دول الجوار، وبناء دولة حرة تعددية لكل مكونات المجتمع السوري.
يبدو أن خطة الإبراهيمي تعمل على إطالة أمد الصراع في سوريا لأنه بدأ بالمسائل السهلة المتعصية وهي فتح مسارات إلى الأماكن المحاصرة لإيصال الإمدادات والتموين وهذا عمل جيد، لكن ذلك لن يتم إلا بشرط واحد وهو أن يطلب الإبراهيمي من مجلس الأمن التدخل لوقف استخدام الطيران الحربي وكذلك استخدام المدفعية الثقيلة من قبل النظام ضد المدن والقرى وأماكن تجمع السكان. قد لا يحصل على أمر من مجلس الأمن بهذا الشأن لأن روسيا هي الحامية للنظام السوري في مجلس الأمن، ومن هنا على الإبراهيمي والدول العربية المناصرة للثورة السورية دعوة الجمعية العامة للاجتماع تحت بند ” الاتحاد من أجل السلام ” وأهم بند يطرح أمام الجمعية العامة هو حماية المدنيين وعند ذلك بإمكان المجتمع الدولي إجبار النظام بعدم استخدام تلك الآلة العسكرية الجبارة ضد المدن والقرى السورية ولو عن طريق القوة العسكرية.
(2)
لا جدال بأن الكثير من القوميين العرب خدعوا بالقول إن سورية الأسد هي دولة المقاومة والممانعة، وصدقنا كل ما كان يقول به حافظ الأسد ومن بعدة ابنه بشار بأنهم حماة الديار السورية وأنهم أعداء إسرائيل ومشروعها في الشرق العربي. تروي لنا وثائق وزارة الخارجية الفرنسية أن سليمان أسد جد حافظ الأسد ومعه عصبة من بعض رجال العلويين لا يتسع المجال لذكرهم هنا بالاسم قدموا مذكرة إلى رئيس الحكومة الفرنسية ” ليون بلوم ” في عام 1936 معلنين رفضهم لاستقلال سوريا، وأن الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسورية المسلمة، لأن الدين الإسلامي هو دين الدولة الرسمي، وتستمر المذكرة آنفة الذكر تؤكد للفرنسيين أن منح سوريا الاستقلال وإلغاء الانتداب يعني سيطرة العائلات المسلمة على الشعب العلوي، فهل يريد القادة الفرنسيون أن يسلطوا المسلمين على الشعب العلوي؟
إن الموقعين على الوثيقة أكدوا في مذكرتهم ” أن اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونثروا فوق أرض فلسطين الذهب والرفاهة، ولم يوقعوا الأذى بأحد ولم يأخذوا شيئا بالقوة ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة ” إننا ضد توحيد سوريا وفلسطين وضد إلغاء الانتداب لأنه سيلحق باليهود مصيرا أسود. يا للهول!! هل يجرؤ عربي أيا كانت طائفته أن يقول إن اليهود القادمين من الدول الغربية ليستوطنوا في فلسطين لم يغتصبوا أرضا ولم يقتلوا أحدا من أهل فلسطين، إني لست في حاجة إلى ذكر تلك المجازر والمذابح التي ارتكبها اليهود الغربيين في حق الفلسطينيين.
الآن وبعد اطلاعنا على تلك الوثيقة التي وقعها جد حافظ الأسد وما جاء فيها عن اليهود ندرك لماذا سكت حافظ الأسد ومن بعده ابنه أكثر من أربعين عاما على احتلال الجولان في عهده وهو وزير دفاع، الآن ندرك لماذا حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار لم يرد على أي عدوان إسرائيلي على السيادة السورية وما خفي كان أعظم!.
في شهر يوليو من عام 1936 ـــ أي بعد شهر من توقيع العريضة الأولى آنفة الذكر التي وقعها جد حافظ أبو بشار (بشار بن حافظ بن علي بن سليمان الأسد) ورفاقه من العلويين النصيريين ـــ وقع زعماء عشائر ورجال دين نصيريون عريضة رفعوها إلى وزارة الخارجية الفرنسية يطالبون بالوحدة السورية، ويؤكدون فيها بأن العلويين مسلمون شيعة، وقد وقع العريضة أكثر من خمسين شخصا من الوجهاء والسياسيين ورجال دين نصارى ورجال دين من أهل السنة والشيعة العلويين ولدي قائمة الموقعين على هذه العريضة أذكر منهم أسعد هارون، وميخائيل بشور، والأب يوسف بطرس وغيرهم. إذا نستطيع القول إن من العلويين رجالا يرفضون التجزئة ويؤمنون بالوحدة بعكس الخونة العملاء الذين وقعوا الوثيقة الأولى المرفوعة لرئيس الحكومة الفرنسية السيد بلوم.
(3)
عودة إلى ” جنيف 2 ” ما هو المطلوب من وفد المعارضة والثورة؟ الرأي عندي أن تنقسم إدارة المؤتمر إلى فريقين الأول يكون تركيزه على تنفيذ قرار” جنيف 1 ” وأن يؤخذ في الاعتبار تضييق حق الاعتراض من أي طرف، وتحديد سقف زمني لإنجاز المهمة، وإشراك جميع أطياف المعارضة الداخلية والخارجية والأقليات وهذا الفريق يحتاج إلى خبراء يعينونهم في تحقيق ذلك الهدف، واحذروا نموذج (المبادرة الخليجية في اليمن). الفريق الثاني يكون هدفه كما هو سائر الآن الأعمال الإنسانية، شرط وقف العمليات العسكرية جوا والقصف العشوائي على المدن والقرى من قبل جيش النظام.
آخر القول: نطالب الدول المانحة وأصدقاء الشعب السوري وثورته وأصحاب المال السياسي أن يعملوا جميعا على توحيد صفوف المعارضة بكل أشكالها وتقويتها وتقوية الجيش الحر بكل احتياجاته لتحقيق الهدف الأعظم وهو إقامة نظام تعددي ديمقراطي، ونقول للجماعات الإسلامية بكل أشكالها في سوريا: اتقوا الله في حق الشعب السوري ولا يقاتل بعضكم بعضا، إنكم لن تحققوا نصرا باقتتالكم وستكونون من الخاسرين جميعا. والله المستعان.
محمد صالح المسفر/مؤتمر جنيف والأسد وإسرائيل
16
المقالة السابقة