عروبة الإخباري – كتب :منيب رشيد المصري
مع إعلان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته توقيع اتفاقية سلام بين المملكة المغربية وحكومة إسرائيل برعاية أمريكية، تكون المغرب هي الدولة العربية الرابعة التي تعلن تطبيعا كاملا للعلاقات مع دولة الاحتلال في عهد الرئيس ترمب، وتكون بذلك قد بدأت تدير ظهرها لتاريخ المملكة المغربية مع مدينة القدس التي لها تاريخ طويل في هذه المدينة المقدسة وما أدل على ذلك من وجود حي المغاربة داخل البلدة القديمة فيها.
ولا يمكن لأحد أن يشكك بعلاقة الأسرة الحاكمة بهذه المدينة حيث أسس الملك الراحل محمد الثاني بيت مال القدس للدفاع ليس فقط عن الوجود المغاربي في القدس وإنما أيضا عن عروبة هذه المدينة، كذلك ترأس الراحل الملك الحسن الثاني لجنة القدس، وكان يعتبر قضية القدس هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء، وعلى الرغم من أنه كان على اتصال مع زعماء دولة الاحتلال وبخاصة شمعون بيرس الذي التقاه بشكل علني لأول مرة في مدينة أفران في العام 1986، إلا أنه لم يعلن إطلاقا عن تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال والتزم حينه بقرار الاجتماع العربي القائل بأن حل الصراع يمكن في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، بعاصمتها القدس.
ومن أجل وضع الأمور في نصابها الصحيح، يمكن القول بأن العلاقات الإسرائيلية المغربية لم تكن وليدة لحظتها وإنما كان هناك اتصالات ولقاءات، ويمكن لي القول بأنني كنت ومع الأخ الراحل الرئيس ياسر عرفات من المطلعين على تفاصيل في هذا الشأن وكان أن تدخلنا لأكثر من مرة في سبيل وضع الأمور في سياقها الصحيح بأن لا تطبيع مع دولة الاحتلال دون اعتراف من دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبه أندريه أزولاي، المستشار السياسي للملك الراحل محمد السادس ومن الشخصيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المرموقة في الجالية اليهودية و التي تقدر ب 4 الالاف نسمة في المغرب، في سبيل الوصول إلى علاقات طبيعية بين المغرب خصوصا والدول العربية عموما وبين دولة الاحتلال.
وأذكر أنه وفي العام 1995، قد ذهبت حينها مع المرحوم الأخ فيصل الحسيني لمقابلة عاهل المغرب حسن الثاني، وتحدثنا حول مدينة القدس، وعرضنا عليه فكرة إنشاء وقفية باسم “وقفية القدس” وذلك لتلبية احتياجات المدينة وحمايتها وتأهيلها كعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، وفي حينها أثنى الراحل الملك حسن الثاني على هذه الفكرة، معتبرا أن مدينة القدس هي وصية والده واجداده والحفاظ عليها أمانة في عنقه. وفي ذات الزيارة التقينا مع رئيس وزارة مملكة المغرب، وكان لنا طلب أن لا يحضر أندريه أزولاي هذا اللقاء، وتم لنا ما أردنا. أستذكر هذه الحادثة من باب القول بأن تاريخ المغرب، على الرغم من الاتصالات التي كانت تجري بين المغرب وإسرائيل، يخلو من التوجه نحو إقامة علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال إلا في سياق حل عادل وشامل، وما موافقة المملكة المغربية على مبادرة السلام العربية عام 2002ن إلا دليلا واضحا على التوجهات السياسية للمملكة فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي.
ولكن وفي ذات الوقت، لم يكن إعلان إقامة علاقات طبيعية بين المملكة المغربية ودولة الاحتلال أمر مفاجئ، ولكنه بالنسبة لنا أمر مؤلم وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع أنواع الجرائم والمحاولات المستمرة من دولة الاحتلال ومن معها من الأنظمة الرسمية لإنهاء قضيته، وإننا لا زلنا نعول على الشعوب العربية التي ترفض التطبيع، ولا شكل بأن التظاهرات التي عمت شوارع مدن المغرب تعبيرا واضحا على أنه لا سلام مع الشعوب العربية بدون أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقه في تقرير مصيره.
قد تعتبر دولة الاحتلال أن القفز عن حقوق الشعب الفلسطيني عبر ما يسمى بالتطبيع هو أمر سيعود عليها بالسلام، ولكن أثبت التاريخ خطأ هذا الاعتقاد، فمنذ أكثر من أربعين عاما عُقدت اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، ومنذ أكثر من خمسة وعشرون عاما كان هناك اتفاقية شبيهة بين الأردن وإسرائيل ولكن ولغاية الآن يرفض شعبي هذه الدول أي نوع من التطبيع ولا زالوا يعتبرون “إسرائيل” دولة احتلال، وسيبقون هكذا حتى تجنح “إسرائيل” للسلام الفعلي، للسلام القائم على حق الشعوب في تقرير مصيرها، للسلام العادل والشامل الذي يبني مستقبلا للأجيال القادمة ويحميها من القتل والموت والدمار، السلام الذي يلغي فكرة وتوجوه دولة الاحتلال إلى تحويل الشعوب العربية إلى مجرد خدم لدولة الاحتلال.
سنبقى نحن الفلسطينيون متمسكين بحقنا في فلسطين التاريخية، وحقنا في العودة والحرية والاستقلال وإقامة دولتنا العتيدة بعاصمتها القدس، ونقول أننا فعلنا كل ما هو ممكن من أجل الوصول إلى سلام حقيقي، ولكن تعنت دولة الاحتلال حال دون ذلك، ويبدو أن توجه الحركة الصهيونية لم يتغير منذ مؤتمر بازل ولغاية الآن، وهم مستمرون في تحقيق “الحلم الصهيوني” في إقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، ونحن نقول لهم، أن دولتكم باطلة وأسست على إعلان باطل وهو إعلان بلفور الذي بدأنا نتصدى لها قانونيا وسوف ننجح لأننا أصحاب حق.
نقول لكل الأنظمة التي داست على حقوق الشعب الفلسطيني وذهبت لتطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، باسم خدمة القضية الفلسطينية ووقف سياسات الاحتلال تجاه الضم والقتل، بأن حججكم لن تمر على الشعب الفلسطيني وعلى حتى على شعوبكم التي أدانت ووقفت ضد التطبيع، لأن التطبيع باطل وما بني على باطل فهو حتما باطل و الشعب الفلسطيني يدفع ثمن الديمقراطية لجميع الدول العربية المطبعة مع اسرائيل.