من المفارقات الصارخة، أن أعمال قمة العشرين للدول الكبرى (ذات الاقتصادات والسيولة المالية) انتهت مؤخرا في دورتها الــ(15)، بعد أن بات الهمُّ الرئيسي على جدول أعمالها يتعلق بــمكافحة جائحة (كوفيد 19) أو ما بات يُعرف بـــ(فيروس كورونا المستجد)، في تحوُّل ملحوظ، وتغير مدروس، لأجندتها المُتعارف عليها في دوراتها السابقة.
فقد حدث انعطاف واضح في نقاشات قمة العشرين في دورتها الـ(15) والتي عُقدت عبر تقنية (الفيديو كونفرنس) انطلاقا من المملكة العربية السعودية، وخرجت بنتيجة فحواها ومختصرها “اتفاق على تنسيق الجهود لمواجهة كورونا”. بينما كانت القضايا والعناوين المعتادة والرئيسية على جدول أعمال دورات قمم العشرين تتركز على قضايا الاقتصاد العالمي، والإصلاح الضروري لمنظمة التجارة العالمية، والالتزام المتكرر بضمان شبكة أمان مالية عالمية أقوى من خلال صندوق النقد الدولي، فضلا عن دعم الدول النامية والأقل نموا، وتدارك التحديات الخاصة في إفريقيا والدول النامية، والبيئة، والمناخ، والاحترار الجوي، وما يسببه من كوارث قد تأتي على البشرية في وقت ليس بالبعيد حال عدم وضع ضوابط لانبعاث الغازات، وخصوصا غازي ثاني أوكسيد الكربون، وأول أوكسيد الكربون..الخ. فلم تنل تلك العناوين والقضايا الاهتمام المُعتاد، سوى الكلام المكرر، بل جرى التطرق إليها بشكل سريع أمام الأهوال المرعبة لجائحة كورونا، حال لم يتم إنجاز العقار الطبي للقضاء عليها.
إذًا، اختتمت قمة العشرين أعمال دورتها الـ(15) عبر تقنية الـ(الفيديو كونفرنس)، بتأكيد عام، وروتيني، لدولها بالالتزام من أجل عصر قوي ومستدام ومتوازن وشامل، بعد انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، والتي باتت الآن تشكل الخطر الداهم، حال لم يتم نجاح اللقاحات التي تم الإعلان عنها في عدد من الدول الكبرى المتقدمة تقنيا على صعيد تركيب العقاقير الطبية، والمنضوية في أعمال قمم العشرين. فالجهود العالمية تتكثف الآن لإنجاز وتوزيع لقاحات ضد فيروس كورونا المستجد على نطاق واسع في أعقاب تجارب تبدو مُبشّرة في الفترة القريبة وفق المعلومات المتواترة.
الجميع غارق في مكافحة الجائحة، وفي صرف المبالغ الهائلة والمرهقة من أجل ذلك، لذلك كانت لغة التفاهمات التوافقية، والتي خرجت بها قمة العشرين في دورتها الــ(15) الأخيرة، هي اللغة السائدة، عندما تجاهلت المبالغ المالية المطلوبة لمواجهة وباء تسبَّب في وفاة أكثر من 1.3 مليون شخص في نحو عام، ويقدر عدد المصابين به بنحو 60 مليون، والمبالغ المطلوبة تصل لنحو (28) مليار دولار، بما في ذلك مبلغ (4.5) مليارات دولار تتطلّبه هذه الجهود بشكل عاجل وفق المعطيات المنشورة من قبل الجهاد الأممية.
وتفيد تقديرات صندوق النقد الدولي بأن الاقتصاد العالمي قد ينكمش 4.4% هذا العام ثم ينمو 5.2% في 2021، حيث تنال الترتيبات الناجمة عن مكافحة الجائحة والقيود المفروضة على السفر وتوقف شركات الطيران من الناتج الاقتصادي، وتعطل العمل والعديد من المصانع في البلدان الكبرى وحتى في البلدان النامية التي تعتمد أصلا على مساعدات الدول الاقتصادية الكبرى في مكافحة جائحة (كوفيد 19). وكان صندوق النقد الدولي، قد أشار إلى أن الحكومات في أنحاء العالم أنفقت (10) تريليونات دولار على الإجراءات المالية المتخذة في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد وتداعياته الاقتصادية. ووفق معهد التمويل الدولي في تقرير له نشره قبل أيام، من المتوقع أن يقفز الدين العالمي إلى مستوى قياسي مرتفع سيبلغ 277 تريليون دولار بنهاية السنة الجارية 2020 مع مواصلة الحكومات والشركات الإنفاق بسخاء في مواجهة جائحة (كوفيد 19). وفي منطقة اليورو (دول الاتحاد الأوروبي) زاد الدين 1.5 تريليون دولار ليصل إلى 53 تريليون دولار حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي 2020.
وخلاصة القول، إن جائحة (كوفيد 19) أحدثت تحولا ولو مؤقتا ــــ ونأمل ذلك ـــ في مسار عمل وأجندة دورة قمة العشرين الأممية الـ(15)، وجعلت الحكومات في جميع أنحاء العالم أكثر وعيا ــــ كما هو مُفترض ـــ (كما تُشير المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل) بحقيقة أن الاقتصادات يجب أن تتطور على نحو مستدام وبكل جوانبها، وليس على حساب البيئة والكوارث التي خلفها الإنسان في الاستخدام الجائر لمصادر البيئة.