اليمن السعيد ـ كما كنا نتغنى بهذه المقولة ـ لم يعد سعيدا من فرط ما أصابه من هموم وجراح وخلاف بين أبنائه إلى حد الاقتتال. وما يحدث في اليمن يحزننا ويقلقنا من خشية مسار الأحداث التي لا تبشر بخير ولا تسر أصدقاء اليمن.
وما كان يخشاه أبناء اليمن على العراق من تداعيات الحروب والحصار والفوضى انتقل إليهم وانعكس على حياتهم بفعل ما يجري من أحداث، ما يجعلنا نقلق بجد حول تلك التداعيات. فالمشهد باليمن معقد لتجنبه مخاطر الحرب الأهلية والتشطير مجددا على الرغم من أن هناك مبادرات عربية مدعومة دوليا لحل سلمي يجنب اليمن الدخول إلى المجهول.
لقد زرت اليمن ثلاث مرات خلال عقدين من الزمن، زيارتي الأولى كانت عام 1990 في ذروة الحشد الدولي ضد العراق بعد الغزو العراقي للكويت، ولقاءاتي مع العديد من الصحفيين والإعلاميين اليمنيين، وجدتهم قلقين من تداعيات أي حرب مقبلة ضد العراق واحتمالات دخوله بالمجهول. وفي المرة الثانية عام 1993 التقيت خلالها الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، وأجريت معه مقابلة طويلة نشرت في مجلة ألف باء العراقية في حينها، عبَّر خلالها عن قلقه وتخوفه من استمرار الحصار على العراق، وضرورة أن يلبي العراق شروط المجتمع الدولي ليتجنب مقبلات الأيام.
وأوضح أن اليمن يعتقد أن هذه الحرب سيكون الخاسر الوحيد فيها هو الشعب العراقي الذي قال إنه شعب عظيم ويستحق الوقوف إلى جانبه.
أما زيارتي الثالثة لصنعاء فكانت عام 1996 وخرجت بحصيلة خلال زياراتي الثلاث أن شعب اليمن شعب طيب وفخور بتاريخه، ومتمسك بإرادته واشتراطات العيش المشترك بين مكوناته. ورغم أنني وصفت أن زائر اليمن بأنه يدق أبواب التاريخ في ذلك البلد، إلا أنني وجدت الحداثة وعملية البناء والإعمار تتسع بمواكبة روح العصر.
وإزاء ما يجري في اليمن ما السبيل لخروجه من هذا الخانق، ويبدد قلق ومخاوف الحريصين على أمنه ووحدته ومستقبله؟
إن المخرج الوحيد يكمن في الحل الوسط بين طرفي الصراع والاختلاف، وهذا الحل يستدعي تنازلات متقابلة من الطرفين لبلورة رؤية منسجمة مع تطلعات وحاجات الشعب اليمني بالتغيير، ولا تتقاطع مع الشرعية الدستورية؛ ليتجنب اليمن حال الفوضى والاقتتال والانقسام المجتمعي، وانفراط عقد السلم الأهلي الذي عاشه اليمن خلال المرحلة الماضية.
وعلى الرغم من أن اليمن يقف على مفترق طرق ويواجه تحديات على مساره، إلا أن الحريصين على مستقبله واشتراطات العيش المشترك بين أبنائه قادرون على تجاوز هذه المحنة التي تواجه بلادهم لتجنب ويلات الصراع ومخاطره على مستقبل ذلك البلد؛ ليعود كما كنا نتغنى به سعيدا وقويا ومنيعا وعزيزا، وقادرا على تجاوز المحن والأزمات؛ لتعود صنعاء بهية ومتعافية من جراحها وإن طال السفر.
عندما يعود اليمن سعيدا / احمد صبري
13
المقالة السابقة