عروبة الإخباري – بدت المعركة الدبلوماسية في القصر الأصفر بمدينة مونترو السويسرية على ضفاف بحيرة ليمان أشد ضراوة من معارك الميدان، وقبل أن يتمكن فريقا الصراع السوري من التحدث بلغة مشتركة ومفهومة بينهما، يحتاج الممثل الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية في سوريا الأخضر الإبرهيمي ربما الى عشرات الجولات التفاوضية. فقد كان الفارق واضحاً والشرخ كبيراً بين حدود الخطين المتوازيين، لا مجال لالتقائهما، النظام ومن خلفه الروس في واد، و”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” ومن معه في واد آخر.
حمل الفريقان “دشمهما” إلى سويسرا وتمترسا خلفهما، النظام لا يعنيه من المؤتمر سوى العنوان المعروف والمرفوع سلفاً أي “محاربة الإرهاب”، ويتهم الفريق الآخر بأنه جزء من هذا الإرهاب ويعمل لمصلحة إسرائيل، أما “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” فيشترط جدولاً زمنياً لرحيل الرئيس بشار الأسد ومحاكمته، والبدء فوراً بتطبيق ما اتفق عليه في جنيف 1 (حزيران 2012)، أي نقل السلطة بكامل صلاحياتها التنفيذية وخصوصاً الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابرات إلى الهيئة الانتقالية.
ولم تتضمن كلمة وزير الخارجية السوري وليد المعلم، التي استهلكت أكثر من وقتها المحدد مما أثار حفيظة الأمين العام للأمم المتحد بان كي – مون، اشارة الى أي سبب داخلي للأزمة السورية “الأسباب خارجية، أساسها استخدام البترودولار الذي ساهم في زعزعة استقرار سوريا والذي شجع آلاف الإرهابيين من الشيشان إلى أفغانستان إلى دول أخرى أوروبية وعربية إلى المجيء إلى سوريا بهدف بناء دولة إسلامية وهابية إرهابية، تعود بنا مئات السنين إلى الوراء”.
وفي المقابل، كان رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا، ند المعلم في هذه المنازلة الديبلوماسية، على النقيض تماما من خصمه، فالإرهاب يتحمل مسؤوليته الأسد، والإرهاب لا يعني من وجهة نظر الجربا المجموعات الإسلامية المتطرفة التي تحارب في سوريا (“داعش” وغيرها) فقط، إنما وضع “حزب الله” اللبناني “الذي يحاكم في لاهاي الآن لقتله رفيق الحريري” في سلة واحدة مع هذه التنظيمات، والتي “يقوم الجيش السوري الحر بمحاربتها جميعا”.
مواجهة غير مباشرة
وقد تخاطب الوفدان بطريقة غير مباشرة وبشكل يعمق الانقسام والبعد بينهما، إذ سأل المعلم الموجودين من المعارضة في القاعة ساخراً عن “برنامجهم السياسي لبناء سوريا وعن أدوات التغيير على الأرض غير المجموعات الإرهابية المسلحة”، ليردف ذلك باتهامهم بأنهم مجموعات مرتزقة تقوم بحشد “الخزي والعار جراء التوسل الى الولايات المتحدة لشن عدوان عسكري على سوريا”، وقال: “باختصار لم تترك ثورتكم السورية المجيدة موبقة واحدة على وجه الأرض الا وفعلتها”. من جهته دعا الجربا فريق النظام الى التراجع عن “كونه وفداً يمثل الرئيس السوري بشار الأسد والتحول إلى وفد سوري وطني يوقع مباشرة وثيقة جنيف1”.
لافروف وكيري
وفيما اقتصرت مداخلة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على دعوة الى الحل السياسي “الذي يتضمنه بيان جنيف1″، وخلت من أي إشارة واضحة الى مسار المفاوضات، ومن أي موقف واضح مما اذا كانت بلاده تدعم بقاء الأسد أو رحيله، جاءت مداخلة وزير الخارجية الأميركي جون كيري مطابقة لمداخلة الجربا من حيث المطالبة برحيل الأسد وتطبيق بنود جنيف1. ووضع كيري هيكلاً للهيئة الانتقالية لا يتضمن من “ساهم في قتل الشعب السوري” من الجهتين، “الجهة التي تمثل آلاف الإرهابيين الذين ينشرون إيديولوجيات الحقد ويساهمون في عذاب الشعب السوري”، والجهة التي تمثل النظام الحالي برئاسة الأسد، “لن يكون للأسد مكان في هذه الهيئة لا هو ولا أولئك الذين ساندوه في تعذيب الشعب السوري، لا يمكن أن يكون هذا حتى في الخيال، فالرجل الذي واجه شعبه بوحشية لا يمكن أن يستعيد شرعية الحكم”.
وتماشى هذا الموقف مع كلمة وير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، التي عارضها الوفد السوري بخروجه من القاعة، راداً بذلك على موقف مماثل للوفد السعودي الذي كان ترك بدوره القاعة خلال إلقاء المعلم كلمته.
وقالت أوساط الوفد الأميركي المواكب لكيري ، أن كلمة المعلم كانت قاسية جداً ولم تقدم أي جديد على ما هو معروف سلفاً عن الموقف السوري النظامي، وعزت ذلك إلى “معرفة النظام السوري أنه بات الأقوى في الميدان بفضل داعميه من إيران و”حزب الله” اللبناني، وهو يستفيد من ذلك لتحسين شروطه في المفاوضات ولتضييع الوقت”. وأضافت أن الولايات المتحدة متفقة مع الروس على عدم السماح بقيام دولة إسلامية في سوريا. ورداً على سؤال عن وجود اتصالات بين الأميركيين والنظام، أكدت إن هذه الاتصالات لم تنقطع يوماً.
وفي مؤتمر صحافي مع انتهاء اليوم الاول من المؤتمر، اعلن وزير الخارجية الاميركي ان بلاده تنوي زيادة الدعم للمعارضة السورية، في اطار البحث عن “وسائل ضغط” اضافية على النظام. وقال انه على رغم ان التهديد بضربة عسكرية اميركية لدمشق تراجع، فان الرئيس الاميركي باراك اوباما “لم يستبعد نهائيا هذا الخيار”. وترك الباب مفتوحا أمام مشاركة إيران في محادثات السلام السورية قائلاً إن طهران يمكن أن تقوم بدور فاعل في انهاء الصراع.
وفي دردشة مع الصحافيين بينهم مراسل “النهار”، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس “أن أهم ما حصل اليوم (أمس) في مونترو هو تمكن الدول الراعية للمؤتمر من الضغط على الطرفين وحملهما على الجلوس الى طاولة المفاوضات”.
أما المندوب السوري لدى الامم المتحدة السفير بشار الجعفري فسأل خلال مؤتمر صحافي هل ترفض دمشق اتفاق جنيف 1، فأجاب: “من قال اننا نرفض؟ ولكن كيف نبحث في حكومة انتقالية في ظل استمرار العنف؟”. واضاف ان الوفد السوري المفاوض يذهب الى جنيف للتفاوض مع وفد المعارضة من أجل “تطبيق جنيف1 كسلة واحدة”. واشار الى انه لا يمكن اختيار امر من جنيف 1 دون الامور الاخرى.
ومن المقرر ان يعود اليوم الوفدان السوريان إلى مقر إقامتهما في جنيف، وانطلاقاً مما اعتبرته أوساط الأمم المتحدة “الحدة في المواقف بين الطرفين”كما علم أن ثمة اقتراحاً لفصل الفريقين يوم المفاوضات غداً في جنيف ووضعهما في غرفتين منفصلتين، على أن يقوم الإبرهيمي بجولات مكوكية بين الطرفين. لكن الأوساط الأممية أوضحت أن الإبرهيمي سيلتقي الوفدين اليوم كلاً على حدة في جنيف من أجل جس النبض قبل اتخاذ القرار.