عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
أعود إلى ما قاله الدكتور حازم قشوع أمين عام حزب الرسالة والوزير السابق والكاتب أيضا في لقاء ضم مجموعة من المفكرين والكتاب عددهم تجاوز العشرة، في أن الرئيس محمود عباس أصبح الأكثر أهمية بين الزعماء العرب لأنه الأكثر إصراراً على تحقيق حلّ عادل للقضية الفلسطينية، وأردف أنه الأكثر شجاعة وصبراً حتى الوصول إلى الانتخابات الأميركية التي اعتبرها أبو مازن حاجزاً يمكن القفز فوقه وليس التوقف عنده، أيّاً كانت النتائج فالقضية باقية وحيّة مهما كانت نتائج الانتخابات الاميركية إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية وعاصمتها في القدس .
الرئيس الأميركي وحليفه نتنياهو وصلوا إلى الخرطوم والإمارات والبحرين وعواصم أخرى وفرضوا التطبيع دون أن يستطيعوا الوصول بنفس شروطهم إلى رام الله..
لقد وضع أبو مازن رجليه في الحائط وتسلح بإرادة شعبه وعدالة قضيته، واتخذ موقفه وأصبح حلم ترامب أن يقنعه في الدخول إلى مستنقع الاستسلام الذي دخله زعماء عرب بلا مقابل..
“حتى أنت يا بروتس” حتى أنت يا سودان أصبح التفاوض معها أميركيا نيابة عن نتنياهو ، حيث يعمل المقاول الأميركي في الشرق الأوسط لصالح اسرائيل، في حين ينصرف القادة العرب عن مخاطر التوسع الاسرائيلي ، ويزدادون خوضاً في الوحل الذي سينعكس في تأثيره على مستقبل شعوبهم، بعد ان أصبح ما يهمهم هو الحفاظ على كراسيهم بأي ثمن ، وقد هانوا بشكل مريع لدرجة أنه لم يستفزهم الموقف الفرنسي الذي استفز أردوغان الذي يريد أن يكرس نفسه زعيما لأهل السنة ووريثا للدولة السنية العثمانية، والمدافع الأول عن الرسول (ص) ، وهو بذلك يسحب الشارع العربي والاسلامي في معظمه للوقوف معه، ويعبئ الفراغ الذي يتركه القادة العرب حين لا يحركون ساكناً ،وقد كان ذلك قد حدث من قبل حين زايدت ايران على العرب باسم القدس يوم تخاذل قادتهم وتركوا اسرائيل تضم القدس وتحصد التطبيع معهم بعد ذلك..
أعود إلى كلام الدكتور حازم قشوع في أهمية موقف أبو مازن ودوره وفي صلابته ونوع إجاباته وإلى امساكه بالسلام العادل والدعوة إليه، فهو لم يغلق باب السلام ولا حتى المفاوضات إن قامت على أسس مختلفة لا تتحكم فيها الولايات المتحدة الأميركية.
صبر أبو مازن وإصراره يثمر الآن في انضمام العديد من الدول الأوروبية لدعوته إلى عقد مؤتمر دولي للسلام وإلى دعوة مجلس الأمن لإقرار ذلك، وهو ما استفز الإدارة الأميركية الحالية، إذ تقف مندوبتها بشكل سافر وعدواني وقح تزايد فيه على الموقف الاسرائيلي حين تطلب من مجلس الأمن أن لا ينعقد وأن لا يعير أهتماماً للمطلب الفلسطيني أو المطالب الدولية التي تؤيد قيام عملية سلام دولية ليست على الطريقة الاميركية التي تريد انفاذ صفقة القرن، والتي تنفي صلاحية المبادرة العربية وتتهم هذه المبادرة بأنها لم تعد تصلح، وأن الزمن تخطاها وأن هناك معطيات ومواقف جديدة يجب الاخذ بها وهذه المعطيات عند الإدارة الأمريكية هي صفقة القرن والتطبيع العربي المجاني وضم القدس وانفاذ ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت بمعنى تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وانكار حق تقرير مصيره…
منذ البداية قرأ الرئيس عباس المعطيات بوعي ودقة وبنى موقفه ولم يضع رأسه في الرمل او يهرب من مواجهة هذه المعطيات بل واصل استكمال بناء المؤسسات التشريعية الفلسطينية ودعم معطيات المصالحة الوطنية و طرق أبواب العالم من اجل ذلك وكشف عن قبح المواقف المعادية لشعبه وحتى للمصالحة الفلسطينية الداخلية التي ظلت تغذي من أطراف عربية واقليمية ودولية وعلى رأس كل ذلك إسرائيل التي وجدت فرصتها في الانقسام الفلسطيني الذي ألحق اضرارا كبيرة بقضية الشعب الفلسطيني. ِ
كان ابو مازن شجاعاً وجريئا وخارجا عن بيت الطاعة الأمريكي _الاسرائيلي الذي ابتنى له فروعا في عواصم عديدة حين مضى في طريق المصالحة وردم الانقسام ومكن الفصائل من أن تلتقي في أكثر من عاصمة وأبرزها تركيا بعد ان ضاقت عليه العواصم العربية بما رحبت والتي ذهب بعضها للملاومة أو تحميل الفلسطيني المسؤولية بل إن بعضها تآمر ودعم الانقسام وحاول أن يطرح بديلا للقيادة الفلسطينية…
الان يكسب الرئيس عباس ما كان راكمه من جهد دولي صنع له أمام العالم مصداقية واضحة حين ظل يدعو للسلام ويخاطب المجتمع الدولي بلغة السلام ولذا يبادله المجتمع الدولي الآن ممثلا في دول عديدة هامة الموافقة على ما دعا إليه في المبادرة الفلسطينية لمجلس الأمن بالدعوة الى عقد مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه دول العالم الراغبة بعيدا عن التفرد الامريكي الذي أصبح موقفا إسرائيليا…
ما كان لدول العالم ان تكون بعيدة عن الموقف الأمريكي الإرهابي المنحاز لحكومة اليمين الإسرائيلية لولا ما راكمه الرئيس عباس من جهد مقنع ومن خطاب جامع ومن رؤيته تأخذ بمصلحة الشعب الفلسطيني ومصلحة السلام الدولي، ولذا لم نجد دولا غير إسرائيل والولايات المتحدة وبعض دول (الفراطة) من يستنكرون مواقف الرئيس ابو مازن ويدعون لإبطالها ووقفها في حين لم نجد دولا مهمة ومرموقة تُخطّئ موقف الرئيس عباس أو حتى تلومه فيما اتخذه ويتخذه من قرارات…
الفلسطينيون ليسوا في مأزق وإنما من يعادي قضيتهم وقد صبر أبو مازن في ربع الساعة الأميركية الأخير وما زال وفشلت ضغوط زعماء عرب عليه في أن يقبل ما قبلوا من صفقة القرن أو قبول الرؤية الأمريكية او موافقة ترامب على دعوته الانخراط فيها ….وكان بعض القادة العرب قد حاولوا أخذ الورقة الفلسطينية وبيعها على الامريكيين في أنهم جاءوا بالرأس الفلسطينية وكان سؤال أبو مازن لهم… “بماذا جتئتم لي من الإدارة الأمريكية من اقرار بالحقوق الفلسطينية حتى تقبل المساومة والتفاوض”؟ وحين كان يقال له لم نأت بشيء ولم نعط شيئاً كان يعتذر لهم عن ذلك ويرفض وساطتهم ويرد مبعوثيهم ليدركوا أنه على حق وأن الولايات المتحدة وإسرائيل (يضحكون) عليهم بمعرفتهم وليس لانهم يجهلون فالذي يقنع الفلسطيني بالاستسلام يكافئ بالرضا الامريكي عليه والذي يفشل يخسر نقاط الحظوة الأمريكية…
صمد أبو مازن وواصل نفسه الطويل الى 3/11/2020 موعد الإنتخابات الأمريكية التي لم يبق عليها إلا أسبوعاً أو أقل وقد يستغرق ظهور النتائج حتى اسبوعين من الآن… فإن لم تقع (دراما) إسرائيلية او لمساعدة إسرائيل في المنطقة فإن أبو مازن سيتجاوز حاجز الإنتظار والخوف والعقوبات التي احتواها ورد عليها بمواقف صلبة ظاهرة للجميع وان سببت لشعبه الحصار الامريكي الإسرائيلي وبعض العربي لكنه ظل امينا على الكرامة الفلسطينية والمصالح الوطنية الفلسطينية واهلا لتمثيلها …
يستحق الرئيس ابو مازن التأييد من كل الشارع العربي ومن كل دعاة السلام العادل في العالم و يستحق أن يرفع رأسه عاليا في زمن طأطأت الرؤوس وواصلت و انحنائها فالرجل الذي جرى اختباره أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة حتى في كامب ديفيد حول القدس حين كان الرئيس عرفات هناك وقد سجل أبو مازن مواقف صلبة جرى اختبارها الآن ليكشف عن اختياره إلى جانب شعبه وتمثيله الحقيقي له…
الذين ينتظرون سقوط أبو مازن كما سقطت قيادات عربية عليهم ان يتكلموا الأن عن صموده وان لا يخرسوا ويصمتوا صمت القبور فهؤلاء لا يهمهم تضحية الشعب الفلسطيني وصمود قيادته وانما يهمهم استسلام هذا الشعب وقيادته ليظلوا هم ويكون الثمن هو القضية الفلسطينية وصمود شعبها وقيادتها …
وعلى الأنظمة الخاذلة والمخذولة أن تتوقف عن المزايدة على الشعب الفلسطيني بالسلام الذي يعبرون عنه بالنوم في الفراش الإسرائيلي وأن يقولوا حقا غير الرطانة التي يتحدثون بها أو يصمتون ليعفوا شعوبهم من مزيد الإذلال..!!