رحم الله الأديب السوداني الطيب صالح الذي صقل شكلا للوطن في كتاباته سيما موسم الهجرة للشمال، الذي لم يدرك في حينها أن موسم الهجرة سيتغير؛ ووجهته هذه المرة أورشليم. فالسودان صفع الطيب والصالح ممن يرفض من شعبه التطبيع وأعلنه في تنصلٍ واضحٍ من لاءات الخرطوم الشهيرة.
إنها اللاءات الثلاث التي نُسبت للقمة العربية الرابعة في الخرطوم عام 1967 بعد نكسة حزيران في العام ذاته حيث عُرفت بقمة اللاءات الثلاث وهي: لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف بإسرائيل، لكنّ ما يحدث الآن نسفٌ لكل هذه اللاءات والذهاب بنعم إلى أقصاها بقرار رسمي.
وتستحضرني هنا العبارة التي احتواها جواز السفر السوداني حتى عام 2009 ومضمونها: مسموح له بزيارة كل الأقطار عدا اسرائيل، هذه العبارة التاريخية ستتغير الآن وإلى غير رجعة، فكل نظام عربي يهرول حبواً على ركبتيه لتل أبيب من بوابة واشنطن وأقول هنا نظام عربي لأن الدول بشعوبها باقية وأنظمتها إلى زوال، فالأنظمة هذه التي لطالما لم تستجب لدعواتنا كفلسطينيين لزيارة القدس بدعوى أنها تحت حراب الاحتلال وتصنف بكونها تطبيعا: ولطالما قلنا إن زيارة السجين لا تعني تطبيعا مع السجان، لكنهم الآن يعانقون السجان ورصاصته على رقابنا.
تلك الأنظمة المطبعة تسعى لتبرير فعلتها التي لن يغفرها التاريخ ونحن، بقولها إن التطبيع لصالحها، لكنهم يبيعون القضية الفلسطينية بثمن بخس، هذا النظام يطبع كي لا يسحب العرش من تحت قدميه، وآخر كي يُشطب عن قائمة الارهاب التي تُهندسها رؤوس البيت الأبيض.
الأنظمة المطبعة وتلك التي ستطبع بعد حين مغمضة العينين ولم تستنسخ عبرة تجارب الماضي، وإن كانت اسرائيل ستفيد أحدا لأفادت أنور السادات أو بشير جميل أو شاه ايران أو حسني مبارك أو أنطوان لحد، لكنهم لا يعتبرون.
إن هذا الوهم الذي صنعته أمريكا وعرابه ترامب لبعض الأنظمة العربية بتحويل لاءات الكرامة العربية إلى نعم ثلاثية وبأثر رجعي لإسرائيل لن تدوم، وستجر المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه.
أورشليم التي نأبى إلا أن نسميها القدس المحتلة تلك المدينة التي نعتبر حجارتها اقتباسات من الإنجيل والقرآن والتي رتل على عتباتها تميم البرغوثي: في القدس من في القدس لكن لا أرى في القدس إلا أنت.
فمثل هذه الأرض لا تنبت إلا الأنبياء، هذا القحط لا تداويه الا السماء، هذا ما قاله صالحكم الطيب حين كان…
- كاتبة واعلامية من فلسطين